يعاني الحكماء على مر التاريخ من حكمتهم وقدرتهم على التشخيص، حيث هناك بون شاسع بينهم وبين المجتمع الذي يعيشون معه، سبب هذا البون أمرين هما أصحاب المصالح والمنتفعين من الوضع القائم، نظام حكم كان أو دين أو عقيدة أو فكر ما، وأيضا الجهل في بعض طبقات المجتمع، الذي يستغل من الفئة الأولى لتغيير المفاهيم أو التعتيم على الحقائق، وهذا يؤدي لاستغفال المجتمع ويدفعه لسلوك خط مغاير لمصالحة، لهذا نجد أن الأنبياء والمصلحين عاشوا أنواع المآسي والمظلوميات.
العراق ربما أكثر شعوب الأرض عانى من هذا الأمر، وعلى مر تاريخه كان الشعب العراقي يخطأ تقدير أموره، ويجافي مصلحيه وممن يسعون لتوفير سبل العيش الكريم لهذا الشعب، لنفس الأسباب أعلاه، وتكرر هذا الحال على مر تاريخ هذا الشعب.
واليوم يتكرر الحال رغم أن جراحات النظام البائد مازالت ماثلة في حياة الشعب العراقي، حيث الشعارات والتلفيق وتغيير الحقائق، ومازال بين الشعب العراقي من يشتم ويهاجم الجمهورية الإسلامية في إيران، تحت مبرر اعتدائها على العراق في حرب ألثمان سنوات.! رغم أن الوقائع والإحداث تؤكد العكس، لكن مازال الشعب تأثير التضليل الإعلامي الذي قام به النظام وأجهزته، وحتى موضوع غزو الكويت مازال هناك من يجادل ويناقش حول صحة موقف النظام في ما قام به..!
بعد التغيير استصحب الشعب العراقي كل ما عاناه بالأمس من تغيير للحقائق، ليعود ويخذل قياداته الحقيقة التي تريد تغيير الواقع المزري الذي خلفه ذاك النظام، ويمارس نفس النهج الذي أدى إلى تسلط الديكتاتور تلو الآخر عليه.
ومع أحداث الرمادي التي تجري اليوم ، والتي أجلت كثيرا من قبل القائمين على الملف الأمني لأسباب يجهلها كل خبراء الحروب ومكافحة الإرهاب، كان للعشوائية والتخبط السهم الأكبر في هذه العملية، ولخطورة محافظة الانبار من حيث الموقع والسعة الجغرافية، وكونها بيئة خصبة جدا لتحتضن الإرهاب، ولصعوبة الحسم العسكري حيث أن الإرهاب يتحصن بين الناس، ويغير من وضعه بسهولة، كان إلزاما إيجاد حل يفرز الإرهاب عن الأبرياء وأيضا يحرق الأوراق التي يستخدمها في تجنيد الأبرياء، وتبرير أعماله، أطلقت مبادرة ( انبارنا الصامدة) والتي وضعت حلول ومعالجات تحقق الغرض ، حيث عالجت الجانب الاقتصادي لتحصين أبناء المحافظة، وأيضا منحت العشائر قدرة على مواجهة الإرهاب، خاصة وان تلك العشائر كان لها مواقف وطنية مشرفه في مرحلة سابقة، حيث تم طرد المجاميع الإرهابية من المحافظة بشكل شبه نهائي، وتشكيل قوات الصحوة.
وهذا يحاكي تجارب عالمية أثبتت نجاحها كمشروع مارشال الذي أطلق بعد الحرب العالمية الثانية في أوربا، لمواجهة الفقر والفاقة تلك الأمور التي حولت أوربا إلى مكان مناسب وملائم لنمو الفكر الشيوعي.
وما يؤلم ويعلل تردي أوضاع العراق منذ عشر سنوات إلى الآن وجود ساسة اعترضوا على تلك المبادرة، بمبررات وأعذار لا يمكن للإنسان البسيط أن يتناولها، لكن هؤلاء هم ساسة الصدفة ممن تسلطوا على مقدرات الشعب العراقي بعد التغيير…..