تمنى الرئيس الدكتور برهم صالح أن تكون هذه الانتخابات “بداية الإصلاح لتحقيق تطلعات الشعب العراقي”. وقال للصحفيين، إن “هذا اليوم تأريخي، والانتخابات المبكرة هي مطلب شعبي، واستحقاق وطني، وبداية للانطلاق نحو الإصلاح لتحقيق ما يتطلع إليه العراقيون“.
نعم، يا فخامة الرئيس. ونحن معك نتمنى ذلك ونحاول اعتبار ما حدث تغييراً حقيقيا، ولو قليلا، هذه المرة.
ولكن لأن الثقة مفقودة بالدولة التي يعرف العراقيون أنها مأسورة ومكسورة فليس سهلا أن نتقبل بيانات الهيئة المستقلة للانتخابات دون تقليب وتدقيق، خصوصا فيما يتعلق منها بنسب التصويت.
فبناءً على الأرقام الصادرة، رسميا، من المفوضية نتبين أن عدد سكان العراق 40 مليونا و22 ألفا، والذين كان يحق لهم المشاركة في الاقتراع 22 مليون، والذين أدلوا بأصواتهم فعلا 9 ملايين و77 ألفا و779، من ضمنهم آلاف المسلحين المنتمين إلى الحشد الشعبي والفصائل المسلحة الذين غَدَروا بمُعيليهم ودافعي رواتبهم ومخصصاتهم ومُحَمّلِيهم أسلحتَهم التي يتعالوْن بها على شعبهم، فأعطوا أصواتهم للصدريين والمستقلين والتشرينيين، وبعضُهم لنوري المالكي، بالإضافة إلى آلاف الإيرانيين الذين مُنحوا الجنسية العراقية، قبل شهور، زوراً وبهتانا، والذين دخلوا العراق من إيران قبل الاقتراع بيومين لتأدية (واجبهم الجهادي) فمأعطوا أصواتهم لمن تريده وزارة الاستخبارات المعروفة باسم (إطلاعات) المكلفة الجديدة من قبل الولي الفقيه بإدارة الملف العراقي، بدل الحرس الثوري، من الآن وحتى 2025.
وحين نتأكد من حصول جماعة هادي العامري والحشد الشعبي والفصائل المسلحة على 14 مقعدا فقط، بعد أن كان له 48 في المجلس السابق، وحضور اسماعيل قاءاني لتوبيخ الساقطين في الانتخاب، نتبين أن انقلابا إيرانيا داخليا قد حدث، ولا يمكن أن يكون برغم أنف الولي الفقيه، وبدون رضاه.
إذن، وبالنتائج المعلنة تكون وزارة (إطلاعات) هي التي قررت ترفيع التيار الصدري العروبي الواعد بمحاربة الفساد ببرلمان فيه 37 نائبا مملوكا لنوري المالكي، و43 للحلبوسي، وبوجود أحمد الجبوري (أبو مازن)، ومشعان الجبوري، وحنان الفتلاوي، و15 نائبا لخميس الخنجر، و5 لعمار الحكيم.
سؤال مهم ينبغي على العراقيين النجباء الشرفاء غير الملوثين بالتخابر مع الأجنبي أن يسألوه، هل صحيح أن مقتدى الصدر قادر على تنفيذ وعوده الإصلاحيّة الوردية المنعشة للآمال، وخصوصا بمحاربة الفساد (وهو صناعة إيرانية خالصة)، ثم نزع سلاح المليشيات (وهي منطقة إيرانية محرمة)؟
وحتى لو كانت النتائج المعلنة من قبل المفوضية صحيحة ومتطابقة مع مخرجات الأجهزة الإلكترونية التي قد لا تكون تعرضت للتلاعب من قبل شُطار يسرقون الكحل من العين، فالذي لا يمكن إثباته بالأدلة والوثائق هو ما جرى خارج تلك الأجهزة، وقبل وصول المراقبين الدوليين وقبل دخول الناخبين إلى مراكز الاقتراع. مع احتساب عوامل الجهل والتخلف والتعصب الطائفي أو العنصري أو القبلي لدى ملايين الناخبين.
أما الذي لم تقله المفوضية ولا مندوبة الاتحاد الأوربي فهو أن موضوع النتائج النهائية قرارٌ إيراني خالص وحده، لا شريك له. فدولة الولي الفقيه هي من يَرفع ويخفض، ويؤتي الملك وينزعه ممن يشاء في العراق، وليست الحكومة العراقية، ولا مرجعية السيستاني، ولا الأحزاب، ولا الفصائل، ولا مافيات المختلسين والمهربين والمموَّلين من قطر وأمريكا والسعودية وتركيا.
والذي لا يخفى هو أن إيران العراقية، اليوم، تعاني من وجع راس عراقي مزمن يتمثل في الهتاف المتكرر المزعج الجارح الذي يتداوله الناشطون العراقيون، والقائل، “هذا وعَد، هذا وعَد، إيران ما تحكم بعَد“، وهو يعني أن جمر التظاهرات التي انطلقت في 2019 ما زال تحت رمادها، ولن يُغلق الباب عليه ويريحها منه ويستريح سوى (المعارض) لاحتلالها، والمدمن على التظاهر ضد التظاهر. فالناصرية وبغداد والبصرة والنجف وكربلاء لم تجف دماء ناشطيها بعد.
ولفهم الدافع الحقيقي الآخر وراء انقلاب دولة الولي الفقيه على نفسها في العراق، هذه المرة، ينبغي أن نتذكر أنها بحاجة إلى تبريد خواطر السعوديين، ومن ورائهم الأمريكان، بإقناعهم بأنها عاقبت الحشد الشعبي، كما كانوا يتمنون ويشتهون، وكسرت شوكة الفصائل (المنفلتة) التي تعارض أي تقارب عراقي عربي، ثم جاءت بمقتدى المرضيِّ عنه في السعودية وأمريكا ودول الخليج الأخرى.
يبقى علينا أن ننتظر ما سيفعله قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، إسماعيل قاآني، الذي جاء سريعا لتنسيق المواقف بشأن التحالفات السياسية التي ستدير مرحلة ما بعد فوز التيار الصدري.
هل سيستسلم للأمر الواقع، فيوافق على قيادة مقتدى للدولة الإيرانية الجديدة في العراق، أربع سنوات قادمة، أم يرفض ويدفع جحافل الحرس الثوري العراقية (هادي العامري، فالح الفياض، قيس الخزعلي، أبو فدك) إلى رفض نتائج الانتخابات، وافتعال مواجهة بنيران المدافع والمفخخات والكواتم بين مليشيات اسماعيل قاءاني وبين جيش المهدي وسرايا السلام؟. لقد وصف المدعو أبو علي العسكري، الناطق باسم حزب الله العراقي، نتائج الانتخابات بأنها “أكبر عملية احتيال في التاريخ.
الله يستر.ووعد بـ “اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لإعادة الأمور إلى نصابها”. ودعا رفاق في الحشد الشعبي وبدر وعصائب أهل الحق والنجباء إلى الاستعداد لمواجهة المرحلة الحرجة القادمة”.
هل هو جاد في دق طبول الحرب، أم هي ثرثرة عابرة من حلاوة الروح؟ الله يستر.