تسكننا الذكريات في رمضان،
ككل الذكريات وأكثر،
ذكريات الزمان الذي مضى،
ذكريات المكان الذي غادرناه
أو غادرنا، لا فرقُ،
البعد واحد،
والوجد واحد،
وإن تماهى في غير صور،
في دمعة حرّى،
أو تلويحة اليدين للغريب،
يعود في الزمان صداه،
يرنّ في مدرسة الزمان كالجرس،
يرسم المكان بالطباشير، على حائطٍ، لوحة لا تزول،
تنادينا، ترافقنا أنّى ارتحلنا،
تسكن الروح شمعة لا تنطفئ،
تداعب طيشنا الحلو،
ما زالت تداعبنا، تنادينا،
ننتظر معاً بصبر قد عيل صبره صوت الأذان،
نراقب المؤذن،
يصعد المئذنة،
“وذن يا خطيب قبل الشمس تغيب”،
نرددها،
لا نعي لها معنىً،
تمرة في اليد تنتظر،
أو لقمة شهية في انتظار الغروب.
يسكننا الحنين إلى الزمان الذي طار دون أن ننتبه،
تمهل يا زمان حتى نشرب من جدول الحياة
جرعة ماء تكفي المسير،
يسكننا الحنين في حضن المكان،
نعيش، نزرع، نصلّي،
نسامر الجيران،
نصوم الحرّ والبرد بصبر راسخٍ،
يسكننا الحنين جارحاً في المكان،
فكيف إذ يغادر الفؤاد رحم المكان،
أي حنين بارح يلفّ الروح والجسد،
عباءة من خيوط الشمس وخضرة الربوع؟
تأسرنا الأمنيات والشوق فجأة، ننادي:
يا بساط الريح،
يا معجزة الزمان،
أين أنت؟
طِرْ بنا بلمح البصر،
لنحلّ في جنة الربوع،
ألا منحتنا يا بساط الخير فسحة في الزمان وفي المكان،
نعود لسهرة في بيوت زيّنتها طيبة لا تنتهي،
سهرة في ظلال الشهر لا تنسى،
سهرة من الأذكار والحلوى… وصوت جدٍّ خاشع نديٍّ رخيم
يستوحش الرحيل،
نردد من بعده
“لا أوحش الله منك يا رمضان”،
ألا حملتنا يا بساط وأنزلتنا في جمعة الخلاّن،
في حضرة الزوار،
نحتسي قهوة من دلّة تدور،
نسلّم على صانعات الكعك بالتمر المشتهى،
وندرك صلاة العشاء في البيت الكبير،
ألا أعدتنا يا بساط الخير والكرامات،
أطفالاً في حضرة الأمهات والجدات نصغي للحكايات،
ننتصر لعيون “جبينة” النائحة،
ونضحك من أعمال “نص نصيص”،
وننتشي فرحاً بانتصارات الشاطر حسن.
ألا جدتَ علينا يا بساطُ
ببعض الفرح.