تتغير الأمور ولاتبقى على حال واحد، وكان يمكن بسهولة وصف المعارضين لنظام حكم صدام حسين ثمانينيات القرن الماضي بأنهم أذناب إيران وعملاء له، ويمكن معاقبتهم بقسوة، وقتلهم بوحشية، وتشريد أسرهم، فالحكم السائد كان قويا ومتماسكا ومدعوما من منظومة عربية فاعلة وغنية ولكنها خائفة وقلقة من ثورة الخميني الشيعية التي بدأت تمتد وتتوسع وتهدد الممالك إالخليجية ومعها بعض العرب الذين يتماهون مع تلك النظرة، ويرون أنهم مهددون أيضا وعليهم إتخاذ التدابير اللازمة لحماية منظومتهم من الإختراق.
بعد ثلاثين عاما على تلك الحرب، يصل الشيعة العراقيون الى الحكم في بغداد، ويتحركون في لبنان بقوة ويفرضون حضورا مختلفا بعد صراع طويل مع الكيان الإسرائيلي والخصوم المحليين ، وقد صنعوا شراكة مع منظمات سنية لمقاومة الوجود الإسرائيلي في جنوب لبنان وفي فلسطين المحتلة، وخلال المواجهات التي تكررت بين حماس وحكومات إسرائيل المتعاقبة التي أخذت تفهم أن هناك نوعا من التحالف بين المجموعات المسلحة الفاعلة المدعومة من إيران وعليها التصدي لها بطرق مبتكرة وليست تقليدية.
في اليمن ينشط الحوثيون، ويعلنون تحالفا مع عدوهم القديم علي عبدالله صالح المخلوع بترتيب خليجي والتواق للبحث عن فرصة العودة والإنتقام من القوى اليمنية التي واجهته بدعم من المملكة العربية السعودية التي سهلت خروجه على أية حال، وبعد عام من الحرب تعلن الرياض عن وجود وفد حوثي في عاصمة المملكة للتفاوض على آليات عقد مؤتمر الكويت لإنهاء الأزمة، وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء والمتحاربين، وتشكيل لجان مراقبة على طول خطوط القتال لضمان العمل بالهدنة المعلنة ووقف إطلاق النار في العاشر من نيسان.
وسائل إعلام عربية ومثقفون وناشطون وسياسيون يطلقون تسمية ( أذناب طهران ) على حكام العراق، ويمكن التسليم جدلا بأن هولاء هم أذناب لإيران، لكن المنظومة الحاكمة لاتتشكل من شخص، أو مجموعة، وهناك ملايين الشيعة منخرطون في الحكم ومؤسسات الدولة، وعشرات آلاف منهم يقاتلون ضد تنظيم داعش ضمن تنظيمات مسلحة متهمة بالولاء لإيران، وتنتشر آلاف المساجد في مدن العراق المختلفة، عدا عن المراقد الدينية، وآلاف من المراكز الثقافية والبحثية والمدارس والجامعات والحوزات الدينية التي تستقبل ملايين الناس المحسوبين على الشيعة، وهنا يبدر سؤال مؤداه، هل يكون كل هولاء الشيعة أذنابا لإيران؟ طيب ماحاجة المملكة العربية السعودية الى إرسال سفيرها الشيخ ثامر السبهان الشمري الى العاصمة العراقية إذا كانت تؤمن بأن هولاء الموجودين في الحكم هم من أذناب طهران، ولماذا تفاوض الحوثيين في الرياض بعد عام من الحرب المرعبة، إذا كان الحوثيون عملاء لإيران؟
الواقعية السياسية تقول، إن الشيعة في العراق هم مكون أساسي ويرقون الى مستوى الأغلبية السكانية في بغداد والنجف وكربلاء والديوانية والحلة والسماوة والكوت وميسان والناصرية والبصرة، وقد إنخرطوا في الحياة السياسية بشكل كامل، وبرغم أن صدام حسين كان يمارس معهم سلطة القمع، لكنه تساهل كثيرا قبل سنتين من نهاية حكمه، وصار يخفف من إجراءات قوى الأمن وسلطات حزب البعث مع المواطنين الذين يمارسون شعائر دينية كان النظام يقمعها بشدة بعد أن أدرك أن مواجهة الشيعة بالكيفية التي مارسها طوال سني حكمه لم تعد مجدية، وإن الذين ساعدوه في حرب إيران عادوا ليطالبوه بأموال المساعدات بإعتبارها ديونا مستحقة على العراق فأضطر ليهاجمهم من جديد في 2 أوغست 1990 ويفتح بعض الأفق مع إيران العدو اللدود.
الواقعية السياسية تحتم الحوار مع الحوثيين لأنهم قوة على الأرض ومكون ديني وثقافي متجذر في اليمن ولديه تحالفات عميقة في الداخل، وليس تحالفهم مع علي عبدالله صالح سوى مظهر لهذا النوع من التجذر والحضور، ثم إن الحوثيين ليسوا كالقاعدة وداعش التنظيمين الاكثر قسوة وجرأة ويهددان المنظومة الخليجية بالكامل ويسعيان لتغيير وجهة الحكم في بلدانها، وقد تمددت القاعدة بشكل يثير القلق في مختلف مناطق اليمن وخاصة في الجنوب، فعدن محررة في الظاهر من الوجود الحوثي لكنها في الحقيقة تحت سيطرة مجموعات مسلحة مختلفة من بينها القاعدة التي تسرح وتمرح هناك وفي مدن ومديريات كثيرة وتسعى لإنشاء نظام ديني في اليمن يتحول الى الخليج.
تجاوزنا منذ سنوات عديدة مرحلة التوصيف السلبي للمكون الشيعي بوصفه كله، أو في جزء منه أنه من أذناب إيران، فالحياة تتغير والمعادلة السياسية كذلك ولابد من سلوك مختلف وترك الإنفعالات جانبا.