21 نوفمبر، 2024 8:04 م
Search
Close this search box.

أذبحني اولا ثم أقطع يدي يا أخي ..!!

أذبحني اولا ثم أقطع يدي يا أخي ..!!

في احدى الليالي الظلماء فر ابوها من قريته النائية بعد ان ارتكب احد ابناءه جريمة قتل بسبب شجار بينه وبين احد اقاربه , فجاء مهاجرا الى العاصمة وسكن في احدى الاحياء البائسة ( التجاوزات ) وعاش فيه كما كان في قريته ؛ اذ لم يتغير نمط حياته قط , ولم تتبدل طباعه وعاداته , فجاء وجاءت معه , عقده النفسية , وطبائعه الريفية , وقيمه العشائرية , وتصرفاته الرعناء وتصريحاته الجوفاء فضلا عن ( خزعبلاته وعنترياته ) استعراض عضلاته وابراز قوته بسبب ومن دون سبب … .

عاش في مكانه الجديد مع اولاده الخمسة , وبناته الثلاث , وزوجته ؛ وسرعان مع تأقلم مع اجواء الحي ؛ لأنه يضم الكثير من اشباهه , ويقطنه الكثير من ابناء القرى البعيدة والارياف النائية , وانقضت الايام ومضت السنين وانصرمت الاعوام ؛ وخلال هذه المدة , تزوج اولاده الخمسة وانجبوا 23 طفلا , وكذلك تزوجت مريم الكبيرة وانجبت 5 اطفال , وتزوجت حمدية وانجبت 4 اطفال وقد تزوجن من اخوين يعيشان في نفس الدار مع بقية افراد العائلة الكبيرة والمتكونة من 27 فرد ؛ بينما عاشت حرية الصغيرة والتي هي اخر العنقود مع امها وابيها , وكانت عيشة جميع العائلة بما فيها عيشة البنات المتزوجات من عائلة الحاج عبود وبالتحديد من ابنيه جاسم ومحمد , عيشة ضنكة ورتيبة ومملة وتعتريها حالات الشجار والصياح والضرب المبرح احيانا والذي لا يطال الاطفال والنساء فقط بل يشمل الشباب والرجال ايضا , فقد يركل محمد مؤخرة اخيه جاسم , وقد يصفع الاب وجه ابنه , وتلطم الام خد ابنتها … .

واغرت اجواء العاصمة الاب خلف , وراح يجر اذيال التصابي , ويدخل مواقع التواصل الاجتماعي لاصطياد النساء , والتغرير بهن ثم ممارسة الجنس معهن , بالإضافة الى ارتياده الملاهي الليلية , على الرغم من كبر سنه وبياض شعره , بل وصل الامر به الى القيام بمغامرات صبيانية يستحي الشباب من فعلها , ففي ذات يوم ذهب الى بيت عشيقته الارملة وهددها بالسلاح , ثم رمى قنبلة يدوية صوتية في فناء الدار , مما اثار رعب المرأة والجيران معا , وكان يشعر بالزهو والغبطة والسرور عندما يقوم بمثل هذه التصرفات بل ويعتبرها من الرجولة والفتوة .

وفي الوقت نفسه كان غيورا على النساء ومتحفظا ولا يسمح بخروج النساء او اختلاطهن بالرجال فضلا عن التحدث معهم او مجاملتهم او اقامة اي نوع من العلاقات معهم , وكان يسترق السمع لاحاديث النساء ويتجسس عليهن احيانا ليعرف ما يدور في خلدهن لاسيما ان كنا مجتمعات معا .

ولسوء اخلاقه وخشونة طبعه وغلظته وقساوته تفرق الجمع عنه ؛ فقد خرج ابناءه الاربعة منه , ولم يبق معه الا اصغرهم , واثنان منهم اشتروا بيوت بالقرب منه والاخران استأجرا منزلا لهما , واغلب اولاده ساروا بسيرته ومشوا على نهجه الاعوج في الحياة , ومن شابه اباه فما ظلم , فما من يوم يمر من دون مشكلة او شجار او نزاع مع الجيران او المارة او الناس , وفي احدى المرات ذهب ابنه الكبير حمزة الى مطعم بالقرب من منطقتهم السكنية , واراد شراء دجاجة من صاحب المطعم , وعندما سأله عن ثمنها , أجابه صاحب المطعم : 10 الاف دينار فقط , واخذها منه ورجع الى بيته , وأفترسها بعد ان شرب قنينة كاملة من الخمر ( بطل عرك ) , وهو كعادته يخرج الى الدربونة ( الفرع) بعد ان يفرغ من الشرب والاكل , ينظر في وجوه المارة ويتفحص الناس , وفي هذه الاثناء مر منه احد الجيران حاملا معه دجاجة مشوية ( سفري) في كيس يحمل علامة المطعم نفسه , فسأله حمزة عن سعرها ؛ فأجابه جاره : 9 الاف دينار فقط , وعندما سمع بالسعر جن جنونه , وفار تنوره , و انتفخت أوداجه , و هرول راكضا الى المطعم , وسأل صاحب المطعم وبصورة استفزازية عن سبب بيعه الدجاج لهما بسعرين مختلفين , فأجابه : وما شأنك انت انا صاحب المطعم وانا حر في تحديد الاسعار , وقد جاءني ولم يتبقى في المطعم سوى دجاجة واحدة , وبعتها اياه بسعر 9 الاف دينار , والفرق بينكما الف دينار واحد , وهو مبلغ زهيد ولا يستحق منك كل هذا الصياح والتجاوز … , لم يقتنع حمزة بالجواب وتعالت الاصوات وتبادلا الشتائم والسباب , وتشابكا بالأيدي , وفرقهما الناس بالقوة , وذهب حمزة الى بيته مسرعا , ورجع الى المطعم بسرعة البرق , حاملا سلاحه معه , واطلق النار الكثيف وبصورة عشوائية على المطعم , وقد سقط صاحب المطعم مضرجا بدمائه ومات من فوره , وهرع الناس , و ولى حمزة هاربا , ورجع الى قريته النائية مع عائلته , الا ان عشيرة المقتول طالبت والد حمزة وعشيرته بالدية ( الفصل ) وبعد الوساطات والمساعي الحميدة لوجهاء المنطقة والعشائر , قررت عشيرة المقتول أخذ دية ( فصل ) من والد القاتل وقدره 100 مليون دينار , وباع خلف كل ما يملك من حطام الدنيا , وجمع 20 مليون دينار فقط بعد اللتيا والتي , وبقى بذمته 80 مليون دينار … .

وفي هذه الاثناء , حدث في عائلة الحاج عبود ما لم يكن بالحسبان , فقد اشترى محمد بن الحاج عبود جهاز موبايل لزوجته حمدية بنت خلف , وقامت حمدية بتنصيب برامج التواصل الاجتماعي في جهازها النقال , وبعد ان فقدت حمدية احساسها بالحياة وماتت كل عواطفها , بسبب الروتين والرتابة وكثرة المشاكل والمسؤوليات ؛وجدت البهجة طريقها الى حياة حمدية , ورأت عالما مختلفا اختلافا جذريا عن البيئة التي نشأت فيها والبيت الذي ترعرعت فيه , فقد شاهدت وجوه جميلة وكأن اصحابها من نجوم السينما او جاؤا من عالم الجمال , وسمعت اصوات اجمل من زقزقة العصافير وتغريدات البلابل , ورأت اجسام رياضية كأنها المرمر المصقول , وبدأت تسمع كلمات لطيفة وجذابة لم تطرق اسماعها من قبل , فصار هذا العالم الافتراضي جنتها الموعودة و وجدت فيه سعادتها المفقودة , واصبح هذا العالم الوهمي محطة استراحتها اليومية , بعد انجاز مهامها اليومية وواجباتها البيتية , فما ان يخرج زوجها من البيت وتفرغ من اعمالها المنزلية ؛ حتى تهرع الى جهازها النقال , وتقوم بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي , فتارة تحدق في عيون هذا الوسيم واخرى تنظر بدهشة لعضلات ذاك الشاب الرياضي الرشيق , وثالثة تستمع لحوار شعري جميل بين عاشق وعشيقته , وهكذا دواليك , وبسبب هذا الادمان نست او تناست حمدية القيود الاجتماعية الصارمة والحمية العشائرية ؛ واضحت لا ترى الفوارق بين الحياة الواقعية والحياة الافتراضية وتأثير احدهما على الاخرى , واختلطت عليها الاوراق , وصارت لا تميز بين الحقيقة والوهم , والواقع والخيال , وامست تقضي لياليها بأحلام اليقظة , فتارة تتصور نفسها أميرة واخرى معشوقة لشاب وسيم غني , وثالثة وكأنها تعيش في دولة غربية لا تعرف شيئا عنها وعن طبائع شعبها … الخ .

لم تكن تعلم حمدية بأن احلامها الوردية البريئة وعالمها الافتراضي البعيد كل البعد عن واقعها البائس , واصابعها التي تداعب (كيبورد ) جهازها النقال لتكتب تعليق ساذج لهذا (البوست ) او تراسل تلك المرأة على الخاص … , ستتحول وبمرور الوقت الى اخطبوط واقعي رهيب يلفها في غياهب الظلمات , اذ كانت تحفر قبرها بأصابعها الجميلة وتغزل كفنها بكلتا يديها … .

وذات يوم دخل على الخاص شاب ينبض بالحيوية والجمال والايجابية , وكان مختلفا اختلافا كبيرا عن كل رجال المنطقة الحاليين او ابناء القرية السابقين الذين رأتهم حمدية او سمعت عنهم , اذ ينحدر هذا الشاب الوسيم من عائلة ارستقراطية متعلمة وقد تبوء ابناءها عدة مناصب حكومية وفي مختلف الحكومات المتعاقبة , وبادرها بالسلام قائلا : اسعدت مساءا ؛ وكانت هذه التحية كالصاعقة التي ضربت كيان حمدية , فلأول مرة تطرق هذه الجملة مسامع حمدية , فهي لم تسمع او تتعود على مثل هكذا تحيات … ؛ وارتبكت من وقع التجربة , وترددت في رد السلام وفي كيفيته , فهي لم تجامل رجل غريب طوال حياتها , ولم تعش تجربة حب او صداقة قط , وبعد هنيئة , ردت عليه : وعليكم السلام , فضحك مازن قائلا : لسنا في مسجد ايتها الفتاة … .

وفي هذه الاثناء , نادت عليها عمتها , فذهبت اليها مسرعة , وقد تركت جهازها النقال على حاله , ولم تستمر بالمحادثة او تستأذن بالخروج منها , مما افقد مازن توازنه فراح يرسل الكلمات والرسائل عبر الخاص كالمطر المنهمر , من دون الحصول على جواب , وقد اصيب بمقتل اذ لم يتعود مازن على رفض الصبايا له , ولم يستسيغ هذا الاهمال لاسيما وانه عرف وبخبرته الطويلة ان الفتاة ساذجة وبسيطة , فهو زير نساء ومحبوب من قبل الصبايا , علما ان السبب الذي دفع مازن الى محادثة حمدية على الخاص , تعليق ساذج لحمدية على احدى ( البوستات) مما ولد لديه فضول لمعرفة هذه المرأة البسيطة , لأنه سأم التحدث مع بنات المدينة المتكلفات وزميلاته في الجامعة والعمل المتعاليات.

وفي اليوم التالي راسل مازن حمدية , وقلبه يستعر نارا , لمعرفة هذه المخلوقة , قائلا : صباح الورد والياسمين , فردت عليه مسرعة وبلهفة : صباح الخير , وتبادلا الكلمات والتحيات , فكان مازن يرسل سطرا من الكلمات المعسولة بينما ترد عليه حمدية بكلمة واحدة خجولة , مما زاد تعلق مازن بها ؛ فقلوب الرجال تعشق النساء المتعففات والصبايا الغاليات وتنفر من الرخيصات والمبتذلات .

ومرت الايام على مهل , على وجل , على أمل ؛ وفي كل محادثة لحمدية مع مازن ؛ كانت تكتشف شيئا جديدا , ويولد في قلبها المتعب أمل , ويداعب خيالها طموح , والى هذه اللحظة لم يعرف مازن حقيقة شعوره تجاه حمدية او نوع العلاقة التي تربطها بها فضلا عن حمدية الجاهلة الساذجة والتي لا تميز بين الهر والبر , فهي لا تعي هذه الامور مطلقا ولم تمر بها سابقا .

لم يمض شهر على هذه العلاقة البريئة او العلاقة الفانتازية , حتى حامت غربان الشر في بيت الحاج عبود حول المسكينة حمدية , ودارت حولها الشكوك , وبدأت الاعين تراقب حركاتها وسكناتها , حتى وقع المحذور , فقد خرج زوجها من البيت وهو يضمر أمرا ما في نفسه , وعاد بعد لحظات بصورة خفية الى البيت , وهو يدب دبيب النمل , ويسترق السمع عله يسمع كلاما او همسا , ونظر من شباك الغرفة , واذا بحمدية منهمكة بالكتابة ومراسلة مازن , وانقض عليها زوجها انقضاض الاسد على الفريسة , واخذ جهازها النقال , وقام بضربها ضربا مبرحا حتى ادماها , وخارت قواها وسقطت الى الارض , مغمى عليها من هول الصدمة والكدمات والركلات والضربات .

عقدت عائلة الحاج عبود اجتماعا طارئا , وقررت ابلاغ خلف واولاده بما حدث , وعندما سمع خلف النبأ العظيم والخبر الخطير , ضاقت عليه الارض بما رحبت , وأمسى ينادي بالويل والثبور ويتوعد بالثأر وعظائم الامور , وصرخت الام تندب حظها العائر , وعم العويل والصراخ ارجاء البيت , وجاؤا بالمسكينة حمدية وهي مكبلة بالحبال كالخروف الذي يعد للذبح , وانهالوا عليها بالضرب والركل والسباب والشتم والبصق في وجهها البريء ومحياها الجميل , وفي اليوم التالي قرر الاب خلف , اخذها الى مكان بعيد , بالقرب من مزرعة صديقه حسن والتي كان يذهب اليها بمعية عشيقاته وصاحباته ليحتسي الخمر ويمارس الجنس معهن , والغريب في أمر خلف ومن على شاكلته , انه يرى ممارسة الجنس مع نساء الاخرين والاعتداء على الصبايا والتغرير بهن واغوائهن من دواعي الرجولة ومن الذكريات الجميلة التي يتباهى بها امام الاخرين , بينما يرى ان محادثة ابنته مع شخص في ( الفيس بوك ) عارا وشنارا لا يقبل ؛ فالعلاقة مع المرأة وايا كان نوعها في مجتمعنا , تعتبر مفخرة للرجل وعارا على المرأة , اذ لم يكلف خلف نفسه واولاده متابعة القضية ومحاكمة حمدية بروية وهدوء وعدالة وانصاف , او الاستماع اليها ومعرفة حقيقة الامر منها , فالخير في واقعنا يتطلب منا وعيا فضلا عن بذل الجهود الحثيثة بينما الشر أمره سهل وهين ومرتبط بالجهل , لذا ترانا نبادر الى الشر بسرعة ونحجم عن فعل الخير او نتردد في اتخاذ القرار طويلا .

ساقوها كالأسيرة , و وضعوها في صندوق السيارة كما الحيوانات , وذهبوا بها مسرعين الى مكان قريب من مزرعة حسن , وانزلوها وهي تبكي وتذكر اطفالها الاربعة , وتتوسل لله الواحد الاحد ان ينقذها من اجل اطفالها لا غير , وبدأوا بحفر القبر بسرعة , اذ ذهب الاب خلف وبمعية اثنان من اولاده وهما صادق و وحيد , وهي تنظر الى قبرها وتسترجع شريط ذكرياتها المريرة وحياتها القاسية , والدموع تنهمل على وجنتيها , وبعد ان انهى الاب و ابناءه مهمة اعداد القبر , اخرجوا سكاكين , وبدأ صادق بقطع احدى يديها بينما وضع وحيد السكين على رقبتها , وباشر صادق اولا بقطع اليد وكانت السكينة ( عمية) غير حادة , فصرخت من الالم , وقالت : اذبحني يا أخي اولا ثم أقطع يدي , حتى في طريقة موتها كانت حمدية مظلومة , ذهبت حمدية الى ربها وهي تشكو الالم والوجع والعوز والفقر والبؤس … ؛ ومن عادة العشائر ان تقطع يد المتزوجة وترمي بها على الزوج وفي هذا السلوك دلالة على غسل العار كما يعتقدون .

وبعد ايام على حدوث الجريمة نبشت الكلاب جثة حمدية , وجاءت الشرطة , وقيدت الجريمة ضد مجهول , ولم تتعرف الشرطة على هوية الضحية , وبدأ خلف بمتابعة صفحة مازن وتعرف عليه , وهدد اهله , ورضخوا لتهديداته , واعطوه دية ( فصل) ومقداره 80 مليون دينار , وقد اعطوا دية ايضا لعائلة الحاج عبود , الا ان خلف قد خلع ( عقاله) وقال : الا ألبسه الا بعد ان اقتل مازن , وقام اهل مازن بإخراجه من البلاد , علما ان الاعراف العشائرية تخير ولي الضحية بين القتل او الدية ؛ فلا يجوز الجمع بينهما معا وفقا للأعراف والعادات والتقاليد القبلية الا في حالات خاصة وليست هذه الحالة من ضمنها ؛ الا ان خلف خارج دائرة المعقول والمنقول , فهو عالم بذاته , مليء بالتناقضات والجرائم والاخطاء والموبقات .

ولعل السبب الاهم الذي دفع خلف واولاده لارتكاب هذه الجريمة , تعيير واتهام عائلة الحاج عبود لهم , او ابناء الحي لهم , فضلا عن مطالبة اهل المقتول ( صاحب المطعم ) ب بقية الدية والبالغة 80 مليون دينار .

 

 

 

 

 

 

أحدث المقالات