ترى الغالبية العظمى من بشر الأرض وبضمنهم المؤمنين بالأديان والمذاهب الدينية العديدة إنّ العقل البشري ما زال لحد أيامنا هذه، يجهل تماماً سِرّ وجود الكوّن مثلما يجهل سِرّ الحياة والموت، كما إنّ هذه الأغلبية تدركُ جيداً إنّ العقل البشري بتركيبته وإمكانياته السابقة والحالية عاجز عن معرفة أيّ شيء عن مصدر أو خالق هذا الكوّن والمسمى عادة بـ (الله)، عدا ما يتمناه هذا العقل من وجود صفات نافعة لهذا (الله) من عدل ورحمة وقدرة على أعادة الحياة للإنسان بعد الموت.
كل العقول البشرية ما تزال ترى حتمية علمية ومنطقية لوجود مصدر أو خالق للكون والحياة، الا أنّ أغلب العقول البشرية المثقفة لمْ تعُد تُصدق، سِرّاً أو علانية، ما هو مذكور في كتب وأدبيات جميع الأديان في العالم من قصص ومفاهيم عن هذا المصدر أو هذا الخالق (الله) نظراً لأن تلك القصص والمفاهيم لمْ تعُد لديهم تتعدى مُجَرد كونها مفاهيماً وقصصاً خرافية ظهرت قبل آلاف السنين لتُعبّر في وقتها عن توقُعات وأمنيات خيال الإنسان لِصفات وتفاصيلِ تلك القوة الخارقة والغير مرئيّة التي يَفترضها العقل البشري.
الأغلبية العظمى مِن المثقفين يُجمعون على أنّ جميع الأديان والمذاهب الدينية التي نشأت أو تأسست في مجتمعات بشر الأرض يتمّ الآن تَوارثُ أسمائها ومعتقداتها وأحكامها إجتماعياً وبصورة مَصلحية لا إرادية، وأنّ أيّ تغيير يَحدث في تسمية ديانة هذا أو ذاك من البشر فإنما يكون بفعل عوامل مادية أو عاطفية أو جنسية خفيّة تُوهم الإنسان بأنه إقتنع بتغيير ديانته الى ديانة أخرى صحيحة.
الأغلبية العظمى من مثقفي العالم يُجمعون على أنّ جميع الأديان والمذاهب الدينية التي نشأت أو تأسست داخل مجتمعات بشر الأرض وبلا إستثناء أيّ دينٍ منها، تشترك بصفات وأسس جوهرية رغم أختلاف أسماء تلك الأديان والمذاهب الدينية وإختلاف معتقداتها وأوقات وظروف ولادتها أو تأسيسها على مدى ما يقارب الخمسة آلاف سنة الأخيرة من تاريخ الإنسان على سطح الأرض، حيث أن:
أولاً:
جميع الأديان وفروعها ومذاهبها نشأتْ قديماً بدوافع ومصالح (مادية) لمؤسسين إستغلوا حاجة العقل البشري البدائي لوجودٍ ملموس لِمَن يُمثِل القوة الخارقة الغير مرئية المُفترضة والمسمى عموماً بـ (الله) في أزمان كانت تخلو فيه تلك المجتمعات البشرية البدائية مِن أيّ شكل مِن أشكال الإدارة والقانون، حيث قامت الغالبية العظمى مِن موؤسسي الأديان بالتسلّط على مجتمعاتهم فارضين أحكامَهُم لإدارتها وتنظيمها بعد إدّعائهم بأنهم هُمْ مَنْ يمثلون (الله) وأنّ مِن حقهُم الحصول على إمتيازات السلطة مِن جاهٍ عظيم ومالٍ وفير ومتعٍ جنسية واسعة.
ثانياً:
جميع الأديان ومذاهبها أدّعت بأنّ عقل الإنسان ما كان يُدركُ وُجوب تَحَلي الإنسان بصفات الأخلاق الحسنة كالعدل، الصدق، الرحمة،الإحسان للوالدين، الوفاء، التسامح، ومساعدة الآخرين لولا أنها فرَضتْ عليه الإلتزام بتلك الصفات!
ثالثاً:
جميع الأديان ومذاهبها أدّعت بأن عقل الإنسان ما كان يدركُ وجوب عدم ممارسة الأفعال المؤذية للآخرين كالقتل، السرقة، الأحتيال، الخيانة، القسوة، إهمال الوالدين، الخيانة، والإنتقام لولا أنها فرضتْ ذلك على الإنسان!
رابعاً:
جميع الأديان ومذاهبها تَعهّدتْ بِعوّدة الحياة الأبدية السعيدة بعد الموت لكل إنسان يلتزم بأحكام موؤسسيها.
خامساً:
جميع الأديان ومذاهبها تعهّدتْ بتعذيب أبديّ لكل إنسان يموت وهو غير ملتزم بأحكام موؤسسيها.
سادساً:
كل دين أو مذهب ديني إدّعى أنّ أحكامه هي تماماً أحكام (الله) الخالق لكل شيء.
سابعاً:
كل دين أو مذهب إدّعى أنه يَعرف كل شيء عن (الله)، وعن الحياة والموت.
ثامناً:
جميع الأديان ومذاهبها لا تتضمن أي تعريفات أو تفاصيل علميّة عن (الله) وعن (أسرار) الحياة والموت سوى ما تمنّاه وتخيّله العقل البشري حول هذه الأمور قبل آلاف السنين!
تاسعاً:
جميع الأديان ومذاهبها تَخْلو مِن أسسٍ علميّة أو إثباتات منطقية محايدة تؤيد صحة علاقتها المباشرة بالخالق المُفترض والغير مرئي (الله).
عاشراً:
جميع الأديان ومذاهبها تتناقض في العديد مِن أسُسها وأحكامها مع ما توصّل اليه العقل البشري حديثاً مِن أحكام حول حقوق الإنسان في المساواة والحرية في التفكير والتعبير وإختيار نمط حياته الجنسية الخاصة.
أخيراً، تبقى مسألة البحث عن أسرار الخالق (الله) تشغِل مساحة واسعة مِن عقل الإنسان لأسباب شتى أهمها رغبة الإنسان المُلحّة في معرفة ما سيحصل له بعد الموت المحتوم، لكنه وفي جميع الأحوال فأن أغلبية عقول البشر تُجمِع على ضرورة أنْ لا يصبح موضوع (الله) عذراً للبعض مِن ذوي الأديان للتمييز بين البشر أو لِفرض المعتقدات والأحكام الدينية وتفاصيل ونمَط الحياة الجنسية الشخصية على الآخرين.
يتبع ..
أعلاه هو مقال من كتابي ( أحترم جدا هذا الدين) والمنشور عام 2021 بأكثر من تسع لغات رئيسية في العالم !
كاتب ومؤلف عراقي – مستقل سياسياً وفكرياً