صور خلاسية يقدمها أدونيس بعد أن يمارس رغبته بتمزيق جسد الطبيعة بخلوة مرئية يفصح بها مايعوز رغباته ، فهناك مناصفة مابين الجامد وبين الشكل المتحرر باستخدام صفات المقارن المشابه ليسير بهدوء إلى النقيض لإيجاد الجزء المعاكس للجزء الأخر أي أن وحدته الكلية تكتمل حين يكون هناك تعبيرا متناقضا في الصورة الشعرية التي تتوافق مع حاجة الإنفعال .
وأكثر من ذلك فأن مديات تحريكه لأبعاده المختارة تتصل بأبعاد تحريكه لقوى الطبيعة لضمان الأفق المفتوح الذي يخزن فيه قدراته الحيوية :
رأسها أمطار وعواصف ،
لكن جسدها
بحار من العطش ،
…
حول قدميكِ
يجلسُ البرج الثالث عشر
من أفلاك جسدك غير المرئية
ممسوحا بزيت الرغبة
ممزوجا بثوب الحب
إن فكرة البقاء لدى أدونيس تتصل بفكرة النور وهو لايتخذ من هذه الفكرة رمزية ما كي يعود إلى الأساطير القديمة بل جعل من هذه الفكرة مادة عرضية قياسها يتم على أساس الإحساس بالحاجة إلى الطرف الأخر حاجة تفوق مستلزمات الحياة الأخرى حيث الدخول الى ذلك الفضاء الجسدي هو البقاء والخروج هو العتمة ، هنا تكون الغريزة غير عارضة وإنما تعبر عن الجزء الحي من الرغبة في مصارعة الوجود دون حساب لما يتشكل في الطرفين المعبر عنهما (الرجل – المرأة ) ، فالصوت المدفون الذي يريده أدونيس هو الذي يطوره عويلا ثم صراخا وكأنه يريد إقتياد التوهج الجنسي من أسفل درجاته إلى أعلاه لبلوغ غيبوبة اللذة التي تعني إكتشاف أكثر من خيال في الجسد ،إن هذا التقريب يقع ضمن موجودات تصوره المحسوسة المثيرة ومنها (المرآة – الزيت –الفراش – الأعضاء التناسلية –الإحتفاء – العروق – الماء- الإحتراق – العطر – المضاجعة – التكوين – الطين – الوسادة – النهد – البخور – النيران ) وكل تلك توصل إلى مناطق إشتهائية ، فالذات هنا معدمة بدون تلك الأشياء ولاوجود لأنا إن لم تخرج من كهفها وتشمك رأئحة الدبق عند فرج المرأة ، أن أدونيس حين يعبث فأن لغته ليست إستدراجية لأن لديه مايكفي لدفع لغته بإتجاه الغاء التعريفات للمسميات أي أن كشفه سيكون وليد ما تولد له تلك الرغبات من أفعال يستطع قياس حجم مؤثرها ومخالفاتها ضمن هذا الموضوع عن الطبيعي والمكرر ،
فالجسد مرار والجسد طلسم والجسد فرادة مثنوية والجسد وحي وسائل
والجسد فردوس الذهن ونعيمه لذلك لن تكرر اللغة مقولات سابقة بواعثها اللذة العابرة ولن ترتبط إلا بالضوء الذي يأخذ أشكاله المكانية واللونية ويختلط مع موجودات أخرى ليست بذي علاقة مباشرة مع ذلك الخلط الهذياني لنيل الرغبة بمفهوم أستطع من تسميته (النقص الإشباعي ) كون عملية الولوج مع الأخرغير مقيدة وغير قابلة للتوقف فهنا الجسد موصلا للطبيعة ومحتوياتها ولن ينتهي ذلك الإكتشاف ولن تنتهي الرغبة في إفراغها لأنها تتكرر عبر أفعال كثيرة عبر مشاهدها اليومية في الطبيعة عبر مزاوجات للبحر وللأشجار وللضياء ولأجنحة الطيور التي تجيد المناكحة ، معنى ذلك أن لاتوقف ولاإنبعاث في مضمون الشهوانية لأنها لاتنطفئ فكل مرحلة من مراحل التوهج تزداد سموا بما تعطيه من متع لأي من الموجودات التي تمنح البقاء بقاء أطول داخل النفس بين الروح في تلابيب الجسد ،
منحدر ظهركِ
مسيل لشهواتي
مرارا مسح الليل جلده بأهدابي
مرارا كان جسدي يتخذ شكل شجرة
لكي يحسن الصمت
مرارا كان الأفق يقرأ علي بإسمها كل شئ
مرارا كانت شجرة الصفصاف التي سميت بإسمها
لاتسلم علي إلا بجدائلها
من أين للكلام
يجلس على عرش واحد
مع هذا البرق الذي يبتكر أعضاءنا ..؟
يعود أدونيس ومن خلال البحث عن فكرة البقاء التي تتصل هذه المرة بغير النور ولكن ضمن مديات التوهج الجنسي فيجد بالمسافات الرمزية في الجسد ملجأ أخر لتخمير موجوداته من أجل إستبدال حجومها وأوصافها وأعادتها بحيوية طازجة الى جسد النص،
وهذه المسافات ليست مسافات مكانية بمعنى ليست مشاهد مادية إنما هي مسافات نفسية يحولها الباطن والخيال إلى مجاميع من الصور الإنشادية الفردية فيستطع القارئ مثلا أن يتلمس الأفق من خلال الأهداب والطبيعة من إستدارة الجسد والعري من إشارة الكف ،
وهذه الموحيات تميل إلى الإغتراب البطئ ثم العودة البطيئة لتشكيل العلاقة الإنبهارية حين يبدأ المتلقي باستدراج صورها ليس من اجل المعنى أولا بل من أجل الإستمتاع باللحظة الشهوانية ثم يأتي بعد
ذلك دور التفكير والتحليل والتكييف ،فلذة النص هنا كأنها في أول وهلة مجردة من معناها لأن ترويض الكل كأن قابلا في الامتثال للجزء لأن الجزء المختار هو كلية بحد ذاته وفيه دلالات العمق المطلوبة التي تمنح أدونيس تلك القدرة الفائقة للولوج إلى عوالم الحواس التي تبني أشياء كثيرة من اللاشيئية كونها حواسا تشترك للإيفاد بمتطلبات النص وتشتغل هذه الحواس بأبعاد غير متقاربة رغم تعاونها في حشد إنفعال المخيلة وتأجيج العاطفة فالتقابل هنا غير منظور سواء كان حيا أو ميتا فهو في مكان ما من الجسد والصوت كذلك ليس صوتا ظاهرا تستطع بيان مصدره لأنه قد تشكل من خفايا وصراعات الجسد :
فيكِ يندرجُ جسدي
وأليك يعرج
في وحدته يجتمع بك
في إتحاده ينفرد
في لحظة ما
شغفا بالأرض
تتحول السماءُ
إلى مرآة
من أجل أن تتحول الأرض كلها إلى إمرأة
فراغكِ –
أليف من جنس الهواء
فرح وحزن
بابان أفتحيهما
أحب أن أرى
كيف تضطربُ
بينهما ذاكرتي ،،
أن مفاهيم أدونيس الكونية مخفية دائما ضمن مايعتري الإنسان من خوف وشك وقلق وهما في رأيه أساسا جيدا للمتعة النفسية التي تضيف للرغبة شكلا ما من توهجها وعدم القبول والإكتفاء بنيل حاجة ما دون إحداث علاقات متقابلة تبدأ من قبة الكون وتنتهي خارجه .