يبدو العالم قد استفاق متأخرا وهو يرى تنظيم داعش يفرض سيطرته على ثلث مساحة العراق، بعد الانسحاب المسؤول الذي ابتدعته إدارة الرئيس باراك أوباما عام 2011، فبادر كتاب الاعمدة في الصحف الأميركية المعروفة الى طرح السؤال من جديد: العالم يتطلع الى اميركا، وكأنهم في غفلة تاريخية عن حقيقة ما يجري في المنطقة، وكأنهم أيضا ليسوا اللاعب الأكبر فيها.
قرار اممي ملزم
وفي هذا السياق ، تبنى مجلس الامن الدولى بالإجماع القرار رقم 2178 الذى يدعو الى وقف تدفق المقاتلين الأجانب عبر الحدود إلى دول العالم وخاصة إلى سورية والعراق.
وأدان القرار “التطرف العنيف الذى قد يهيئ المناخ للإرهاب والعنف الطائفي وارتكاب الأعمال الإرهابية من قبل المقاتلين الإرهابيين الأجانب” ودعا إلى نزع أسلحة جميع المقاتلين الإرهابيين الأجانب ووقف جميع الأعمال الإرهابية أو المشاركة في الصراع المسلح.
وأكد القرار ضرورة “عدم ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة وعلى مسؤولية الدول فى منع تنقل الارهابيين أو الجماعات الإرهابية من خلال التدابير الفعالة للسيطرة على الحدود والمتعلقة بإصدار أوراق الهوية أو وثائق السفر”.
وحث قرار مجلس الأمن الدول الأعضاء على تكثيف وتعجيل تبادل المعلومات الخاصة بأعمال وتحركات الإرهابيين والشبكات الارهابية بمن في ذلك المقاتلون الإرهابيون ودعا جميع الدول الأعضاء إلى التعاون في جهود التصدي لتهديدات المقاتلين الإرهابيين الأجانب.
وأشار القرار إلى أن مكافحة التطرف العنيف الذى يمكن أن يفضي إلى الإرهاب بما في ذلك منع نشر الفكر المتطرف تشكل عاملا أساسيا في التصدي لتهديد المقاتلين الإرهابيين الأجانب وأهاب بالدول الأعضاء أن تلزم شركات الطيران العاملة في أراضيها بتقديم معلومات مسبقة عن المسافرين إلى السلطات الوطنية المختصة.
وشدد القرار على “الضرورة الملحة للتنفيذ الكامل والفوري لأحكامه وخاصة فيما يتعلق بالمقاتلين المرتبطين بتنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرهما من خلايا تنظيم القاعدة أو الجماعات المرتبطة به أو المنشقة عنه”
دبلوماسية منمقة
هذه العبارات الدبلوماسية ” المنمقة ” تطرح تساؤلات عراقية صارخة لاهالي ضحايا الإرهاب الأسود الذي ضرب العراق منذ عام 2003 وما زال يضرب اطنابه في سياسات إقليمية تثير الشجون العراقية في إعادة طرح التساؤلات الصاخبة عن تلك السياسات الإقليمية والدولية التي حولت ساحة هذا البلد الى ساحة لتصفية الحسابات من بوابة تصدير الإرهاب منه واليه ؟؟
المثير للجدل ، في السابع والعشرين من شهر اب الماضي ، قام وفد سعودي ضمّ وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ورئيس الاستخبارات العامة الأمير خالد بن بندر ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بزيارة إلى الدوحة، وصفتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية بأنها كانت “قصيرة” و “أخوية”.
ويؤكد سايمون هندرسون الخبير الاستراتيجي في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى “نظراً للتوترات الأخيرة في العلاقات بين البلدين، تُشير تركيبة الوفد أنه قد تم تحذير قطر أو توبيخها بقوة”.
مشيرا الى ان مثل هذه الخلافات، قد يؤثر على قدرة الجيش الأمريكي على العمل في منطقة الخليج العربي، حيث أن المسؤوليات المتعلقة باتخاذ إجراءات ضد المتطرفين من تنظيم «داعش» ، قد تمت إضافتها إلى حماية الممرات البحرية وردع (التآمر الإيراني) ، منوها الى ان الولايات المتحدة تحتاج أيضاً إلى النظر في ما سيكون ردها إذا أسفرت العلاقات بين الرياض والدوحة إلى قيام حالة من العداء الصريح.
كل ما تقدم ، يثير السؤال عن الرغبة السعودية في اعلان الحرب على داعش ؟؟
الدور السعودي الاقليمي
الواضح ان الدور السعودي الإقليمي يحتاج أولا استرجاع زعامتها بعد مداخلات قطرية تبدو اقرب الى سحب البساط من تحت اقدام الرياض ، وهناك اكثر من وساطة خليجية ودولية بهذا الاتجاه ، وما يظهر في التحليلات الصحفية الغربية والأميركية منها بخاصة، يؤكد ان التفاهمات التي جرت بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته الأخيرة للسعودية، قد انتهت الى مواقف محددة، فتوالت التطبيقات السعودية التي حافظت على طبيعة الدبلوماسية السعودية للعمل خلف الستار الثقيل قبل الإعلان عن مواقف محددة تجاه العراق او الحرب على الإرهاب ، لان الأفكار الأميركية تتجه نحو حشد جميع القوى الإقليمية والدولية لصب جام غضبها على تنظيم داعش ضمن سياق معروف لتغير قناعات الراي العام الأميركي عن المشاركة في حرب جديدة، يرى الكونغرس بان الولايات المتحدة لم تخرج منتصرة ذلك الانتصار الكامل في حربها على العراق عام 2003 ،فانتهى الامر الى مجرد نصف كأس فارغة !!
مطالب عراقية
اليوم ،مطلوب من الجميع إيجاد ذلك النموذج للحشد اللوجستي والاعتباري للمشاركة في الحرب على داعش ، مرة لاسترجاع الثقة بالقدرات الأميركية ضد من يهدد حياة المواطنين الأميركيان بعد اعدام داعش المأساوي للصحفي جون فيولي والإعلامي ساتلوف ،ومرة أخرى لضمان حسابات النتائج المتوقعة من هذه الحرب وفقا لقاعدة الحقل والبيدر ، فالدخول الى عش الدبابير في داعش يمكن ان لا ينتهي بالخروج بمحصلة جديدة لتطبيقات عراقية وإقليمية مطلوبة ، لذلك يظهر مجددا الدور السعودي في الحشد لحرب على داعش ، من خلال التفاهم غير المعلن مع ايران التي اوفدت مساعد وزير الخارجية الى الرياض لتوضيح الموقف الإيراني من هذا الحشد الأميركي ، وأخرى في بلورة تفاهمات خليجية مطلوبة بقوة أميركيا لتجفيف منابع التمويل للتنظيم الإرهابي الذي ما زالت الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي في دول المنظومة الخليجية تصفه بالتنظيم الجهادي بل هناك من يدعو لمبايعة خليفته أبو بكر البغدادي !!
السؤال الذي ينتظر الإجابة: كيف ستكون نتائج علاقات بغداد والرياض بعد ان اعلن زعيم التيار الصدري صراحه أخطاء نوري المالكي في ولايته السابقتين ومنها الابتعاد عن محطيه العربي لاسيما علاقاته مع السعودية .. بانتظار نتائج هذا الحشد الأميركي.
حبال واشنطن
مأساة الكثير من المثقفين العرب وربما حتى حكامهم، تلك الثقة الكبيرة التي تمنح لواشنطن وهي تتلاعب بمقدرات المنطقة، من دون الاتفاق على خطوط حمراء وطنية تعترف الإدارة الأميركية بها كضرورات “أمن وطني” لدول العالم العربي ، لذلك صالت وجالت واشنطن في المنطقة منذ انسحابها من فيتنام حتى اليوم، والمصيبة ان الكثير من المذكرات لشخصيات عامة او كتب ودراسات أميركية تكشف حقيقة هذه السياسة فيما توصف عربيا بانها مجرد “نظرية مؤامرة” يراد تسويقها على المتلقي العربي!!.
اليوم نقف امام حالة جديدة، تؤطر النشاط الأميركي وفقا لمعطيات المنطقة وإعلان دولة الخلافة الإسلامية باسم داعش، وموافقة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية بفتح أبواب الاتصال مع القوات الأميركية للتنسيق في حربها الدولية على هذه الدولة التي يرى خبراء البيت الابيض بانها يمكن ان تستمر لأكثر من عامين !!
وحين رفضت واشنطن ” علنا” هذا الاندفاع الإيراني لاستثمار الفرصة العراقية، سارعت طهران الى اصدار تصريحات جديدة ترى بان هذه الدعوة قد اسيء فهمها، حين نفى عضو لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني النائب اسماعيل كوثري الاخبار التي تداولتها قناة البي بي سي البريطانية ان طهران وواشنطن يتعاونان بشأن التصدي لتنظيم داعش الارهابي في العراق، وقال كوثري بحسب وكالة انباء فارس الايرانية ” ان التعاون بين إيران واميركا حول العراق أمر غير ممكن من الاجل التصدي لمجموعة مسلحة صنعتها واشنطن وتل ابيب والرياض”.
في أحاديث سابقة مع أبو عزام التميمي، مستشار عام الصحوات في العراق، شدد على ان تنظيم القاعدة وكل تشكيلاته مجرد بنادق للإيجار، يمكن ان تحقق اهداف المخابرات الدولية التي تريد الاضرار بالعراق، مؤكدا على ان هذه التشكيلات تظهر وتختفي بقرار من جهات التمويل، والسؤال كيف يمكن لدولة العراق والشام الإسلامية ان تختفي ؟؟ ولماذا حددت البيت الأبيض تقديراته بان الحرب عليها يتطلب من عامين الى ثلاثة أعوام ؟؟.
ثوابت أميركية
يمكن ان نبحث عن الإجابة في التقرير الشامل لمشروع القرن الأميركي الجديد الذي ناقش إمكانيات زعامة اميركا المطلقة للعالم في القرن الحادي والعشرين ، ومن حثيثات هذه الهيمنة الشاملة فرض السيطرة على خطوط توزيع الطاقة ومنابعها وإعادة تدوير أرباح البترودولار لإنقاذ عجلة الاقتصاد الأميركي والتي من دون عملية إعادة التدوير هذه تكون خارج اطار المنافسة المحتملة مع التنين الصيني او مع الدب الروسي الناهض من غيوبته في ملفي سورية والقرم ” الازمة الأوكرانية” بعد سنوات الغيبة عن عالم متعدد الأقطاب، بما يؤكد ان هذين العامين او الثلاثة أعوام يراد بهم إعادة تشكيل سياسات إقليمية ودولية، تمنح واشنطن امثولة الهيمنة المطلقة والمصيبة ان اغلبية الأطراف الإقليمية تمنحها هذه الامثولة بسخاء حتى وان كانت عبر دعم “غير حكومي” للإرهاب الداعشي بعد ان اصبح “الدم العربي” يباع في سوق ساسة العراق الجدد بأبخس الاثمان !! .