تعتبر الإدارة من العلوم المهمة في إدارة أي مفصل في الحياة ، سواء كانت مؤسسة أو بيت أو دولة ، ولا تتضح تماماً إلا عندما تواجه الحكومات أو المؤسسات أزمة ما تهدد وضعها ومقدرتها على العمل أو تهدد وجودها ذاته وقدرتها على البقاء ، كما أنها تكشف قدرتها على كيفية التعاطي مع هذه الأزمات ، لهذا نجد أن اغلب الحكومات في الدول الكبيرة أو الفتية تكون قادرة على تجاوز الأزمات السياسية والدستورية التي تعصف في البلاد . والأزمة هي نقطة التحول في موقف مفاجئ يؤدي إلى أوضاع غير مستقرة ما يهدّد المصالح والبنية الأساسية للدولة ،وتنتج عنها نتائج غير مرغوب بها كل ذلك قد يجري في وقت قصير يلزم معه اتخاذ قرار محدّد للمواجهة تكون فيه الأطراف المعنية غير مستعدة أو قادرة على المواجهة وتظهر الأزمة عندما تخرج المشكلات عن نطاق السيطرة، وتتلاقى الأحداث، وتختلط المسببات بالنتائج ويفقد معها الحكومة القدرة على اتخاذ القرار والقدرة على السيطرة على الدولة ومؤسساتها، بل يفقد القدرة على السيطرة على الأوضاع عامة في البلد، وعلى اتجاهاتها المستقبلية.
ملا يحدث في العراق حقيقة منذ حكومتين للسيد المالكي ، وهي تسير بهذا خلق الأزمات، وإيجاد الذرائع والمبررات لأي تصارع داخلي ، وبما يؤثر على الشارع العراقي ، ويجعله محتقن وينتظر الاشتعال ، ناهيك عن حكومة لم تكن يوماً فاعلة في إيجاد المشتركان بين مختلف المكونات السياسية في البلد ، لهذا نجد حكومة بلا وزراء ، وان وجدوا فهم وزراء يمثلون كتلهم ولايمثلون الدولة العراقية ، وهذه نكسة كبيرة في مفهوم السياسية الحديث ، خصوصاً ونحن علة أعتاب بناء دولة المؤسسات .
ما يدور اليوم في العراق ، هو خلق الأزمة ، وادراتها بما يشعل الشارع ويشغله ليعود بالفائدة للحزب الحاكم ، وهذه سياسية نتذكرها عندما كان صدام يحكم العراق ، وسياسته في أشغال الشارع العراقي ، وإلهائه بحروب ومعارك أحرقت الشعب والأرض ، لهذا نجد أن العراقي ينظر إلى السياسي ، وليس العكس ، لان ثقافة صنع السياسي من العراقي لم تصل إلى أذهان أفراد المجتمع العراقي ، ان السياسي يصنعه المجتمع ، وإلا لايمكن لأي سياسي أن يمارس دورة في البناء ما لم يكن هناك مجتمع يعيش فيه يشير له ويحفظ مكانته السياسية ، والتي بالتالي انعكست على دوره المجتمعي في حماية مصالح شعبه وحقوقهم الدستورية .
أن الإدارة بالأزمات في إدارة الدولة هوخلق الأزمة في الدولة ، لخلق حالة من الفوضى وأشغال المجتمع لكسب تعاطفه كما يحصل اليوم في العراق من خلال سياسية “تفريخ الأزمات” ، بأساليب ووسائل غير أخلاقية لتحقيق أهدافها ، وهي تقوم على افتعال الأزمات وإيجادها ، كوسيلة للتغطية والتمويه على المشاكل القائمة التي تواجه الدولة ومؤسساتها من فساد مستشري ، ووزارات بلا وزراء أو تدار بالوكالة ، وأفتعال الأزمات الخطيرة والتي تؤدي إلى انهيار العملية السياسية بالكامل ، لتعود لنا المعادلة الظالمة التي كانت تحكم العراق الجريح وهدم المشروع الوطني ، في حين أن المقصود بإدارة الأزمة هي كيفية التغلب عليها بالأدوات العلمية المختلفة وتجنب سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها.
يبقى أن نشير إلى الأهمية الكبيرة في رفع الوعي السياسي والثقافي للمواطن العراقي ، ليعرف كيفية تدار الأمور في بلد 117 مليار دولار ، وكيف يتعاطى مع الملف الأمني ، والذي من اخطر الملفات ، كونه في يمس امن المواطن العراقي لأنه الخاسر الوحيد في هذه المعركة المفتعلة ، فالأزمات كثيرة ، ولايهمنا كثيراً الدخول في هذه الأزمات ،بقدر همنا أن يعي الشعب العراقي حقيقة إدارة الدولة العراقية ومؤسسات الدولة الرسمية ، والتي وجدت فقط لخدمته وضمان حقوقه المشروعة والتي كفلها الدستور العراقي الجديد .
كما ينبغي لسياسينا أن يعوا أن “حبل الكذب قصير” ومهما حاولوا التغطية على فشلهم في بناء الأسس المتينة للمشروع الوطني وبناء مؤسسات الدولة العراقية ،فلن يفلحوا ابداً لان الشعب العراقي ربما يتناسى ، ولكن لن ينسى من استغفله ، وجعله محطة اختبار لتجاربه ، من اجل كرسي هو في الأساس مبني على الرمال ، لا على أساس الإدارة الصحيحة للدولة ومؤسساتها ومشروعها الوطني .