قال السيد مقتدى الصدر إنه “مع تغيير الحكومة، شلع قلع، ومحاكمة الفاسدين منذ بداية الاحتلال وحتى يومنا هذا “بلا استثناء”.
واجاب الصدر على سؤال من احد اتباعه بشأن التغيير الوزاري الجديد، والذي تضمن بحسب السؤال، اثنين فقط تكنوقراط والوزراء الآخرين من التكنوقراط الحزبي:
“عموما نحن مع من يؤيد القيام بتغيير الحكومة شلع قلع، وتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، ومحاكمة كل الفاسدين منذ بداية الاحتلال وليومنا هذا، وبلا استثناء اطلاقا”.
هذا كلام جميل لا غبار عليه. ولكن هل يعتقد السيد مقتدى بأن مشكلة العراق تكمن فقط في الحكومة، وبحيدر العبادي ووزرائه والسياسيين الفاسدين الذين لصقوا بجلد البلد مثل القراد؟
فلو وضعنا بدل العبادي الجنرال مود، أو الجنرال ديغول، أو الأسكندر المقدوني، هل يستطيع أن يحرر شبرا من المنطقة الخضراء؟، وهل يستطيع حتى طرزان أن يجلب كبار المختلسين، نوري المالكي مثلا، إلى ساحة القضاء؟
وهل يملك هتلر وموسوليني، وحتى صدام حسين لو عاد من قبره، سلطةً تُذكر وذات قيمة حقيقية على هادي العامري والمهندس والخزعلي والبطاط وقاسم سليماني وبقية (جنرالات) الحشد الشعبي؟
ومع اعترافنا بأنه الصوت الوحيد المشاكس داخل الائتلاف الوطني الشيعي الإيراني، وبأنه الوحيد أيضا الذي يصر على (شلع قلع) الحكومة، نسأله: هل يعتقد بأن موضوع العراق منفصل عن مجمل المشروع الفارسي المتكامل الذي يصر على قضم ما تبقى من أرضٍ عراقية، خصوصا مناطق الشرائح العراقية المشاكسة العربية الشيعية والسنية، والكردية والمسيحية، وتحويل أهلها جميعا إلى نازحين ومهجرين، أو مواطنين إيرانيين، ينشد أطفالهم، كل صباح، في تحية العلم، إنا نحبك يا إيران، من أجل إكمال تنظيف الطريق أمام القطار الإيراني المندفع غربا إلى آخر ما يمكن من شواطيء وحدود؟.
وبدون إقدام السيد الصدر على تشخيص المشكلة، وتسمية المعول الحقيقي الذي لا يتوقف عن هدم كل ما يقف في طريقه، ويعرقل مسيرة ذلك القطار، لن نصدق بأن وعيه السياسي وطني حقيقي، وإدراكه لأبعاد اللعبة الكبيرة، وحدودها وآلياتها وتفاصيلها. فحكومة حيدر العبادي،
وحتى ما يطالب به من قلع شلع، والمجيء بحكومة تكنوقراط، تبقى بالونات فراغية لا ينتج هنها غير المزيد من التشرذم، ومن تمزق وحدة الشارع العراقي الوطني المعارض للاحتلال الإيراني، ومن إلهائه، والتشويش عليه، وبالتالي إحباطه وتضليله، وجعله يكتفي بالمطالبة بالماء والكهرباء والمجاري وتحسين البطاقة التموينية، وتنقية موادها من الطحين الفاسد إلى الرز المغشوش.
يضاف إلى ذلك كله أن السيد مقتدى الذي يصر على محاكمة الفاسدين واسترداد المسروقات من كبارهم وصغارهم، في كل مرة يَضيمه الضيم، ويشعر الفشل والتعب من الهتاف والاعتصام، يقرر أن يعتزل، ثم يتوجه إلى طهران، ومنها إلى قم، ليُدفيء نفسه بعباءة الولي الفقيه، وليسترد بعض ما فقده من راحة البال. فكيف تركب هذه على تلك؟.
ولكي نصدق بأن السيد مقتدى زعيم وطني عابر للطوائف والقوميات، ولا يخاف لومة لائم في الحق، فلابد له من إعلان فلسفة نضالية متكاملة، نظرية وتطبيقية، تبدأ بجذور مشكلة العراق، وتنتهي بذيولها وتوابعها المتشابكة التي لا تنتهي.
فهو، وهو الأكثر معرفة ببواطن الأمور، أكثر من أي عراقي آخر، والأعمق اطلاعا على حقيقة استحالة التغيير بوجود السفارة الإيرانية، وضباط الحرس الثوري الإيراني في مفاصل الدولة العراقية، وبالأخص في وزرارت الخارجية والمال والدفاع والداخلية وحتى البلديات والإعاشة.
فلماذا لا يستقيل من الائتلاف، ويجعل وزراءه ونوابه وأتباعه جميعا معارضين، وعلى المكشوف، لهذه الطبخة الفاسدة كلها، والإيعاز لهم جميعا بأن يصدحوا مع ملايين أشقائهم العراقيين، شيعة وسنة، (إيران بره بره بغداد حرة حرة)، كما فعلوا في أسابيع ماضية؟
إن السيد مقتدى، مع الأسف الشديد، لا يمل من الثرد بجانب الصحن. وحيرتنا معه أكبر من حيرتنا بنوري المالكي وإبراهيم الجعفري وحيدر العبادي وهادي العامري، ومن المخفي من أمثالهم بكثير.