23 ديسمبر، 2024 9:36 ص

أخيراً… وجدوهـــا

أخيراً… وجدوهـــا

بعد تسعة اسابيع وثماني جمعات من الأحتجاجات والأعتصامات والغضب الشعبي والجماهيري، أصدرت حكومة المنطقة الخضراء في بغداد قرارها الذي سينهي كل شيء، فستنتهي التظاهرات وسيعود المعتصمون الى بيوتهم ويرفع الحصار الحكومي عن أحياء بغداد وتعود وحدات الجيش والشرطة والأمن الداخلي الى واجباتها الطبيعية في أضطهاد الشعب والاعتقال على الشبهة وبتهمة أو بدونها، كما سيحاول “البطاط” أن يجد مبرراً جديداً لأستمرار ماسماه بـ “جيش المختار” في تنفيذ عملياته الأرهابية وأغتيالاته المنظمة، فها هي أي الحكومة قد “وجدتهــــــا” وهاهو الناطق الرسمي بأسم وزارة داخليتها يركض فرحاً مردداً “وجدتها، وجدتها” ليذكرنا بطيب الذكرالسيد ارخميدس. فماذا وجدوا؟؟؟
فبعد كل هذه الفترة وبعد كل هذه المعاناة، وبعد أن بحت أصوات المطالبين بالأصلاح، وبعد كل وفود الحكومة التي لاتحمل أي تخويل بتنفيذ المطالب، وكل مالديها هو تسويف وتأجيل ووعود كاذبة، وبعد كل تهديدات ووعيد المالكي وزمرته، وبعد كل تظاهرات المأجورين من أعوان حزب الدعوة لدعم سيدهم القابع في كرسيه في أعماق المنطقة الخضراء، وبعد أن صلى المصلون صلواتهم الموحدة مرة خلف إمام من هذه الطائفة وأخرى خلف الآخر، وكاد حتى المسيحيون أن يصلوا معهم، وبعد كل التصريحات الرنانة التي تحدثت عن حل الأزمة أو حلحلتها كما يقال هذه الأيام دون جدوى، وبعد أن دفع المتظاهرون والمعتصمون من خلال معاناتهم وأحتمالهم لتقلبات الجو البارد والممطر ثمناً غالياً من وقتهم ,اعصابهم صامدين وسط لعبة شد وجذب مثيرة للأعصاب ورافعة لمعدلات السكر وضغط الدم، وبعد الدم الطاهر الذي سال على ارض الفلوجة المجاهدة، نقول بعد كل هذا وذاك وكثير غيره،،، فقد “وجدوها”!!!
فقد أصدرت وزارة الداخلية العراقية أمراً سيحل الأزمة ويعود بعده العراق صحيحاً معافى لا فساد فيه ولا رشوة ولا تظاهرات ولا أعتصامات ولا طائفية ولا محاصصة، وستكون بعده قوانين الأجتثاث والمسآئلة والعدالة والعفو العام قوانين تشبه قوانين تنظيم السير الذي يسمح لكل العراقيين بقيادة سياراتهم دون الحاجة لرخصة السياقة أو قانون النظافة الذي ترك بغداد مرتعاً لكل أنواع القاذورات والأوساخ، بحيث اصبحت واحدة من أسوء مدن العيش في العالم، فقد جاء الحل وأصدرت وزارة الداخلية أمراً طبل له وكيلها الأقدم عضو حزب الدعوة الحاكم هو ” القاء القبض وتوقيف كل من يحمل عَلَم النظام السابق”!!!
إذاً فالمشكلة كانت في العَلَم ولم تكن في سوء الأدارة والخدمات، كما أنها لم تكن في سرقة المال العام وتبديد الثروات، وهي ايضاً لم تكن في سياسة المحاصصة أو خلق الأزمات، ولا في تكميم الأفواه وخنق الحريات، ولا في أرتفاع نسب البطالة ولا في زيادة نسبة الجهالة، بل ليست المشكلة في الأحتلال وما خلفه من تبعات، ولا في حل الجيش السابق وتشكيل جيش المليشيات، وهي أيضاً ليست نتاجاً لتسريح مئات الألوف من الكفاءات ولا في التهجير القسري لأساتذة الجامعات، ولا تكمن في تسييس الدين ولا في حكم الجهلة من المعممين، وأنما هي اساساً بسب رفع المحتجين والمتظاهرين والمعتصمين لعَلَم النظام السابق بنجومه الثلاث، والذي سبب شرخاً طائفياً بين ابناء العراق الواحد، وإنما في رفع عَلَم النظام السابق!
 والحقيقة إن رفع هذا العلم الذي أستشهد تحت ساريته مئات الآلاف من العراقيين دفاعاً ضد المعتدين الأيرانيين أو ضد الغزاة من الأمريكيين، والذي كانت نجماته الثلاثة ترمز لوحدة العراق وسوريا ومصر وليس كما يدعّون زوراً لأهداف البعث، اصبح يؤرق الحكومة المحكومة بعقدة المنجزات السابقة وضآلة أو أنعدام منجزات السنوات العشر اللاحقة، ويمنعها من التفكير في كيفية التعامل مع معطيات واقع كله يشير الى تغييرجذري قريب لا مناص منه ولايصب في مصلحة جيل مابعد الأحتلال من حكّام ما يسمونه كذباً وبهتاناً ” العراق الجديد”. وإن غداً لناظره قريب…