23 ديسمبر، 2024 11:53 ص

أخلاق الفرسان ,وثقافة كتابة التقارير

أخلاق الفرسان ,وثقافة كتابة التقارير

في واقعة الخندق التاريخية المشهورة ،عندما حدثت المنازلة بين الامام علي(ع) وعمرو بن ود العامري،فارس العرب والعجم الذي تتفاخر به قريش،فقد ذكر أنّ علياً (ع) لمّا قتل عمراً لم يسلبه فجاءت أُخت عمرو حتّى قامت عليه، فلمّا رأته غير مسلوب سلبه،قالت: ما قتله إلاّ كفؤ كريم،ثم سألت عن قاتله،قالوا الإمام علي بن أبي طالب (ع)، فأنشأت تقول :
لو كان قاتل عمرو غير قاتله لكنت أبكي عليه آخِرَ الأبدِ
لكنّ قاتِلَه من لا يعاب به أبوه من كان يدعى سيّد البلد
على المرء ان يكون لديه سمو الفرسان ونبلهم وأخلاقهم الرفيعة في الطرح والنقد أنجاه الآخرين،وفق صيغ موضوعية متجرداً عن ذاته بعيداً عن الأهواء الشخصية والمزاجية والأنانية التي تعمي بصيرته،والتي تدفعه ولأسباب متقزمة ترتقي لمستوى الطفولة التي لايحاسب عليها ،وذلك لضعف الإدراك الفكري المترتب عليه وعدم نضوجه لصغر السن.
ان ثقافة التقارير وكما نسميها اليوم (الحرك) اتفق بشكل كبير جداً مع كتابة التقرير المهني الكفء الذي يقوم أداء عمل المؤسسة ويشخص مواطن الضعف والقوة،ويقوم مسيرة العمل نحو الاداء الافضل ,فالمتابعة لما يحدث وينجز لتشخيص الخلل هو من العوامل المهمة للمضي بمسار النجاح،واختلف جذرياً بشدة لتلك الثقافة الهجينة والتي ليس لها أب نعرفه لأنها لقيطة بكل ماتعنية المفردة، فالكثير من الأبرياء أعدموا وشردوا وفصلوا من وظائفهم أبان النظام البائد،بسبب النهج الثقافي الحقير الذي زرع في ضعاف النفوس وتحول لدرس ثقافي يدرس وله اهمية قصوى ويجرى امتحان به،ويعطى لكل من يريد الصعود ويحصد الامتيازات والمكاسب،وكأنه سلوك سوي يتعامل معه المرء لتحقيق ذاته وطموحه وتطلعاته للحصول على مغنم ومكسب، فكانت التوجيهات في اجتماعات مجلس قيادة الثورة للنظام المقبور توعز بضرورة كتابة التقارير،وتقديم منح مالية وجوائز لمن يكون تقريره يتضمن اكبرعدد من المتآمرين على الحزب والثورة .
انتهت دكتاتورية الخوف وكنت اعتقد لحد كبير هذه الثقافة سوف تتلاشى بغير رجعة لما تركته من أثار سلبية في تذويب لقيمة الفرد للعمل بسلوكيات منحرفة اخلاقياً،نجدها اليوم جاءت وبقناع جديد فلا يوجد فرق فالفكرة واحدة والمضمون نفسه يتجلى في كل وقت وزمان،لان الانحراف بسلوك الفرد لم يتغير ,لأن هناك من يبحث عن هؤلاء من المسؤولين وأصحاب السلطة والقرار ,فالحرص والمثابرة طريقها واضح ومستقيم ولايحتاج لفتوى فقهية،والسؤال يطرح نفسه لماذا لايزال الفرد يتبنى هذا المشروع المريض ؟
والجواب هو لو ان كل من قام بتقديم بلاغ كاذب وفيه رؤية سوداء تشير الى الحاق الأذى بالأخر دون الاستناد لدليل وبرهان قاطع ،يتلقى العقوبة الصارمة والقانونية اعتقد سيكون هنالك رادع لها او التخفيف من حدتها،فما قيمة العقاب وهنالك بعض المدراء يجد في المنافق انه الشخص المناسب لتكليفه للقيام ببعض الأعمال الدنيئة في التجسس ومعرفة مايدور بين أروقة العمل،ولعلها تركة ثقيلة تركت أوزارها في المجتمع لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية ،فقد كانت فترة حروب الثمانين والحصار الاقتصادي انسب مرحلة لنشر هذه الثقافة مقابل الحصول على دينار زائد يساعده في الاعانة لفداحة الوضع ألمعاشي الصعب، أو يقيه من الذهاب لساحة المعركة ,فالمشكلة تكمن بعدم وجود رؤية صحيحة لتوحيد الخطاب الذاتي لدى المرء فالمرض جذوره موجودة وعلينا استئصاله بدلاً من أن يتحول لعدوى .