تمثل الاهوار في جنوب العراق نتاجا مهما للهوية الوطنية العراقية، فضلا عن أن الأهوار تعد تراثا إنسانيا وقد كانت موطنا للسكان الأصليين منذ آلاف السنين، فالأهوار في العراق تعد أكبر نظام بيئي من نوعه في الشرق الأوسط، إذ تبلغ مساحة هذا المسطح المائي حوالي 16 ألف كيلو متر مربع. ورغم الجهود والاستعدادات التي بذلها الجانب العراقي في استكمال شروط ضم سبعة مواقع على لائحة التراث العالمية ثلاثة منها تراثية وأربعة مواقع لقيمتها الطبيعية , ألا أن خيبة الأمل برفض الطلب العراقي أعرب عنها مؤتمر التراث العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” في دورته الأربعين المنعقد في مدينة اسطنبول التركية .
العراق كان يأمل منذ سنين عديدة في ضم العديد من مواقعه الأثرية إلى لائحة التراث العالمي التي يبلغ عدد مواقعها المسجلة عالميا حتى عام 2011 تقريبا ٨٣٦ موقعا طبقا لاتفاقية حماية التراث . وقد تضمنت هذه المواقع الأثرية العراقية مدينة أور الأثرية التي أسس بها الملك أورنمو واحدة من أقدم الإمبراطوريات بالعالم القديم، ومدينة أريدو التي تسمى بمدينة المعابد ويرجع تاريخ السكن فيها إلى خمسة آلاف عام قبل الميلاد وهي مقر عبادة الإله (انكي) اله الماء في العراق القديم ، ومدينة الوركاء، وهي مدينة الملك العراقي العظيم كلكامش صاحب أقدم وأعظم أسطورة عرفها التاريخ وبها أسس أول برلمان للدولة وتعد مقرا للإله (انو) كبير الآلهة السومرية، فضلا عن مناطق الأهوار التي مثلت بيئة السومريين منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا، إذ استخدموا بيت القصب والمشحوف والبردي».
أهمية إدراج الأهوار ومواقع أثرية أخرى إلى لائحة التراث العالمي لها مردودات ايجابية كثيرة يجهلها الكثير من العامة وكان يمكن إن يستفاد منها العراق في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية الراهنة, منها تجريم ومحاسبة من يحاول المساس بهذه المواقع مع تنظيم حملات تنقيب كبرى بدعم دولي، تنشيط الجانب السياحي الذي سينعكس على تطوير الواقع الاقتصادي للبلد، منع أية منظمة أو قوة إرهابية من التعدي على الآثار لأنها ستثير قضية دولية كبرى.أما بالنسبة للأهوار فسيتم اعتبارها «محمية طبيعية» مع التزام المجتمع الدولي بتوفير حصص مائية ثابتة لها وبالتالي لن تستطيع أية دولة منها على سبيل المثال تركيا إيقاف المياه عنها. تبدد الحلم العراقي في ضم الأهوار والمواقع الأثرية كمحميات طبيعية ضمن التراث العالمي،كانت تقف وراءه أسباب ودوافع داخلية وخارجية عديدة ساهمت في ترسيخ الرفض على التصويت على قرار الضم منها :
1. التركة القديمة التي خلفها النظام السابق , حيث قام هذا النظام بعد الانتفاضة الشعبانية في عام 1991 بتجفيف الأهوار من أجل صد العمليات القتالية للثوار في تلك المناطق، وحول أكثر من 95 بالمائة من مساحات المستنقعات المائية إلى أراض جرداء .
2. ضعف قرارات وجهود الحكومة الحالية منذ عام 2003 في إنشاء مشاريع لتنمية الأهوار لاستغلالها كمعالم سياحية وآثارية واقتصادية.
3. ضعف دور مجالس المحافظات الجنوبية المعنية بالأمر في مد جسور التواصل والتعاون مع المؤسسات المعنية في الحكومة المركزية مثل لجنة الزراعة والمياه والأهوار البرلمانية و لجنة السياحة والآثار ووزارة البيئة .
4. المغالاة في الاعتماد على دعم الجانب الأمريكي لكسب التأييد دون الاعتماد على المعايير الدولية التي تشترطها المنظمة والتي قد لا تنطبق على بعض مناطق الأهوار التي عبدت وبنيت بعض البيوت فيها من الطابوق، فضلاً عن بناء مجمعات سكنية من قبل وزارة الأهوار في السابق مما افقدها اللمحة التاريخية التي تنشدها هذه المنظمة الأممية.
5. تدخل السياسيين العراقيين بالملف وضغوطاتهم على الدول الأعضاء أضعفت الملف وأربكته كون اليونسكو منظمة تعتمد التقارير الفنية معيارا في قراراتها .
6. ضعف دور المؤسسات الإعلامية الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في المساهمة بجدية والوقوف معا لتحقيق هذا الحلم.
7. الدور السلبي والبطيء للدبلوماسية العراقية في العمل على الصعيد العالمي في تنسيق وكسب المواقف الدولية لإنجاح عملية التصويت على ضم الآثار و الاهوار إلى لائحة التراث العالمي.
8. العامل الدولي المتمثل برفض كل من إيران و تركيا و فرنسا أدراج ملف الأهوار العراقية ضمن لائحة اليونسكو للتراث العالمي، فإيران تعلل رفضها بأسباب جغرافية وتركيا تعلل رفضها لارتباط الاهوار بملف المياه والسدود الذي يشهد خلافا بين العراق وتركيا منذ تسعينات القرن الماضي ، بينما فرنسا إن العراق متهم بـتخريب تلك الاهوار.
ومع تلك الأسباب المخيبة للآمال لابد من الإشارة إلى أن حضارة العراق هي نشاط إنساني متميز وعريق وأغلب مواقعه الأثرية هي مواقع مهمة ومعروفة لا تحتاج إلى ترويج، ولكننا كعراقيين سنبقى نبعث رسالة لكل شعوب العالم بأن أثارنا وتراثنا مهمة في حياتنا ونعتز ونفخر بها ,وسنبذل كل الجهود الحثيثة شعبا وحكومة وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية والإعلامية من اجل تحقيق حلمنا بضمها إلى لائحة التراث العالمي مهما طال الزمن.