ليس خافيا أنَّ لقطاعي التربية والتعليم دوراً مهمَّاً في تنفيذ الآليات التي تمليها جملة الأنشطة الخاصة بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن كونهما من الركائز الأساسية لموجبات التقدم الحضاري الذي تنشده جميع الشعوب بفعل أثرهما في المساهمة بتقدم المجتمعات وتطوير أساليب حياتها، فلا ريب أنَّ معاييرَ جودة ثقافة المجتمعات الساعية لاستثمار إيجابيات التطور الحضاري والتقدم العلمي تقوم بالأساس على ضمان حكوماتها سلامة تنشئة وتعليم أفرادها؛ إذ أثبتت التجارب في هذا السياق عدم إمكانية إصلاح المجتمع وجعله متحضراً وأكثر تقدماً من دون إيلاء قطاعي التربية والتعليم الأهمية التي تفضي إلى ترسيخ عوامل نجاح آلياتهما.
المثير للاهتمام أَنَّ من جملة المؤشرات المهمة التي تؤكد سلامة تفاعل المجتمعات مع معطيات المعاصرة، هو أَنَّ تحقيقَ برامج التنمية التي تشكل ركيزة تقدمها توجب أن يكون أفرادها أكثر وعياً وأعمق إدراكاً لأهمية التخلص من مجموعة القواعد النمطية الموروثة، فضلاً عن نبذ الكثير من التقاليد غير المبررة، الأمر الذي يؤكد حاجة تلك المجتمعات إلى استشراف مستقبل مزدهر لأفرادها بالركون إلى بذل ما بوسعها من الجهود التي بمقدورها المساهمة بشكل فاعل في مهمة إعداد الأجيال المتعلمة، إذ أنَّ التعليم من وجهة نظر علماء الاجتماع والمهتمين بشؤونه يشكل قوة عظيمة لنشر الخير في المجتمعات، بالإضافة إلى كونه أفضل السبل وأيسرها في الوصول إلى ” عمل أفضل بفائدة أكبر “. وضمن هذا المعنى تشير بعض الدراسات إلى أنَّ مساهمة الأفراد المتعلمين في الجهود الرامية إلى تقدم المجتمعات، تتضح آثارها العملية من خلال جملة فعاليات في مسار الحياة اليومية، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: المشاركة في التصويت بالانتخابات والتقليل من نسب حالات الطلاق التي أصبحت في بعض المجتمعات النامية تتفوق بعددها على حالات الزواج، إلى جانب المساهمة أيضاً في تقليص معدلات التدخين بأوساط المجتمع.
لعلَّ ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو تأكيد المتخصصين والباحثين والدارسين أنَّ ” الأميّة والتخلف وجهان لعملة واحدة، كما التعليم والتنمية “، ومن هنا جاء تيقن المنظمة الأمية في ارتباط عوائق التنمية بمشكلة الأميّة كما هو وارد بالكثير من أديباتها التي ربطت تحقيق عملية التنمية في البلدان الساعية إلى اللحاق بركب التقدم والتمدن بقدرة إداراتها في مهمة القضاء على الجهل. وتدعيماً لما ذكر يمكن الاستدلال بمقررات المؤتمرات التي نظمتها الأمم المتحدة في هذا الإطار، والتي أكدت جميعها أنَّ مسألة محو الأمية قضية عالمية. ومن المناسب الإشارة هنا لما تضمنته الوثيقتان اللتان اعتمدهما المؤتمر العالمي حول التربية للجميع الذي عقد في شهر آذار من عام 1990م بمدينة جومتين في تايلند من اعتراف صريح بأوجه القصور في النظم التعليمية بجميع أنحاء العالم، فضلاً عن تأكيدهما الأهمية المتزايدة لدور التعليم الاساس في تحقيق التقدم الاجتماعي.
في أمان الله.