18 نوفمبر، 2024 3:43 ص
Search
Close this search box.

أخطبوط الفساد في العراق

أخطبوط الفساد في العراق

لم يعد الفساد محصورا بشريحة أجتماعية دون أخرى , ولم يعد منتشرا في مهنة دون المهن ألاخرى , ليس الفساد جرثومة ولا فيروسا , أنما هو شعور نفسي بالدونية يدفع صاحبه للسعي وراء المنفعة الشخصية غير مكترث بتعاليم الدين أو وصايا المصلحين أو القيم ألاخلاقية لذلك نراه يتمدد طولا وعرضا حاملا أعراضه وأمراضه  ومن هنا نفهم أثر الصداقة , والصحبة والجيرة والزمالة التي يعتمدها علم النفس وعلم ألاجتماع في دراسة أنتشار ظواهر التمازج وألاختلاط بين الناس , وكذلك أثر ألانتقال من الريف الى المدن أو العكس  , وأثر المناسبات ألاجتماعية كألاعياد الدينية والوطنية , وأثر ألاحتفالات والحفلات الغنائية  , ودورات ألالعاب ألاولمبية  الرياضية لاسيما كرة القدم ومايصاحبها من أستعراضات راقصة وألعاب بهلوانية لاتخلو من التعري بأسم الفن المصطلح المظلوم بسبب فساد الذوق , وفساد الثقافة والتعليم الذي أدى الى ضياع الحقيقة بين الكهانة والعرافة والتنجيم وقراءة الفنجان وألابراج والسحر نتيجة جهالة  الطوفان الذي جرف علوم الطب فجعلها في أيد غير أمينة أضاعت الثقة بين المريض والطبيب فعمت الفوضى أركان الطب الثلاثة وهي : الطبيب , الصيدلي , الممرض , ولذلك تحول الطب في العراق الى دكاكين تجارية تصادر المهنة ألانسانية التي أعطاها أهتمامه في الزمان القديم نبي من أنبياء الله هو عيسى عليه السلام , وقبل ذلك أعطاها القرأن الكريم مرجعية الخلق والتكوين فقال ” وأذا مرضت فهو يشفين ” وترجم ذلك رسول الله “ص” بقوله : ما أنزل الله من داء ألا وجعل له دواء فتداووا ياعباد الله ” وجرف العبث مهنة الهندسة فجعلها بأيد تبيع وتشتري مع المقاولين فضاعت أمانة ألآنجاز والحفاظ على أموال الدولة والشعب ولذلك ترى شوارعنا في العراق في حالة تأكل مستمر وسريع مما يجعل ميزانية ألاعمار والبناء مستنزفة دائما لآنه مع أندثار الشوارع تداعي وتهالك بنايات الدولة وهي حديثة العهد بالبناء وربما بعضها ينهار قبل أستلامه ؟

وجرف الطيش المحامين والقضاة , فلم يعد العدل مسألة أخلاقية , بل أصبح مسألة نسبية فضاع مفهوم العدل أساس الملك , وظلت ملفات الدعاوى تغفو على رفوف المحاكم ومجرات القضاة سنين طويلة غير مقدرين لمقولة خبراء العدالة التي تقول :” بطئ التحقيق يضر بالعدالة ” أما التجار وأرباب العمل فالغش وعدم ألاخلاص أصبح عرفا لديهم , ومقولة ” أوفوا الكيل والميزان ” حتى وأن  حفظوها فهم لايطبقونها  , ومقولة ألآمام الصادق “ع” وعلمت أن عملي لايقوم به أحد غيري ” لاتجد أذانا صاغية من موظفي الدولة الذين أصبح حضورهم للدوام مبعثا للهو والكسل والتسيب والتسلل حتى تنتهي ساعات الدوام بدون أنتاجية حقيقية ولذلك نرى تكدس المعاملات مابين صحة الصدور ومعتمد البريد الذي أصبح عنوانا للاسترضاء والدلال وألاكراميات ,  أما عمال البناء وألاجراء في مختلف المهن فحديثهم طويل يختصر كل ماللفساد من أخطبوط  يفوق ألاخطبوط الحقيقي وهو حيوان بحري يعتبر من عجائب خلق الله تعالى , اما أخطبوط الفساد البشري فهو صناعة بشرية أستحدثتها النفس بفجورها   , ومقولة : الفقيه من خالف هواه وأطاع مولاه نادرة التطبيق خصوصا بعد أن كثرت ظاهرة أدعاء ألاجتهاد أو أدعاء مرجعية المسلمين بدون مسوغ أخلاقي أو مجوز شرعي ولذلك كثر المعممون الذين يتخذون من المساجد غطاءا لآهوائهم وشهواتهم الدنيوية مما جعل الحقوق الشرعية لاتصل للمرجعية الدينية المسؤولة كما هي , مثلما أتخذ البعض من المنبر الحسيني وسيلة للارتزاق وليس وسيلة للتبليغ والهداية وألاصلاح كما أراده الحسين عليه السلام , هذا فضلا عمن يصعدون المنابر وهم ليسوا مؤهلين حوزويا ولا مؤهلين فكريا   , وكأن وصية أمامنا علي “ع” : يابني أهرب من الفتيا وكن في الفتنة كأبن اللبون لاظهر فيركب ولا ضرع فيحلب

أما مقولة ” وعلمت أن رزقي لايأخذه أحد غيري , فهي أصبحت غريبة مستغربة لاسيما عند أساتذة الجامعة الذين يستكثرون من المحاضرات ألاضافية ومع وجود الملازم المستنسخة التي جعلت من طلاب الجامعات لايهمهم شيئ سوى استنساخ الملازم مما ضيع مرجعية المصادر العلمية  , اما المدرسون الخصوصيون فهم من أسسوا فشل مشروع المدرسة بنوعيها الحكومي والاهلي وما يترتب على ذلك هو تعويم التعليم وحصره مستقبلا لفئة محدودة وهي القادرة على دفع تكاليف الدروس الخصوصية 

أن أخطبوط الفساد في العراق تجاوز كل الخطوط الحمر مما ينذر بكارثة حقيقية لايجوز السكوت عنها أو التهاون في العمل على تفادي مخاطرها التي لاتبقي ولاتذر خصوصا بعد أن أصبح النواب جزءا من ظاهرة الفساد ومثل ذلك وأكثر أعضاء مجالس المحافظات , وأذا علمنا أن الكابينة الوزارية ليست بعيدة عن أخطبوط الفساد وأفرازاته , وأذا علمنا أن أغلب مسؤولي ألاجهزة ألامنية هم من تشكيلات أخطبوط الفساد , وأذا نظرنا الى المؤسسة العسكرية سنجد أن أغلب قادة التشكيلات العسكرية من قادة فرق وقادة ألوية وأفواج وسرايا هم في أغلبهم عناصر محترفة للفساد وظاهرة الجنود والشرطة الفضائيين هي من مستحدثات فساد هذه الفئة المحترفة

وأستطرادا في التأمل والتحري سنجد العجب العجاب , فمسؤولو ألاحزاب وأعضاؤها هم بؤرة من بؤر صناعة الفساد على قاعدة ” أن كبيرهم الذي علمهم السحر ” وبأمكان الباحث عن حقيقة مايجري من فساد ينخر بنية الدولة والمجتمع أن يلقي نظرة فاحصة على مظاهر وسيرة مسؤولي ألاحزاب سواء الدينية منها أو العلمانية , وسواء المنظمون حزبيا أو التابعون لميليشيا , سيجد مظاهر المبالغة بالحواشي وهي ظاهرة منهي عنها شرعا لآنها من مظاهر الغواية والطغيان قال ألامام علي عليه السلام : هلك الرجل أذا كثر خلفه خفق النعل ” وخفق النعل هو الحواشي وما أكثر الحواشي اليوم فعضو المجلس البلدي معه حاشية رواتبها من الدولة ولا عمل لها سوى ألاستعراض في مجالس الفواتح والمناسبات ألاجتماعية وبعض المعممين في المساجد عندهم حواشي أذ قام وزير الداخلية ألاسبق بتعيين ثلاثة حراس مع كل معمم من حزبه  في المساجد وبعضهم معه أكثر من هذا العدد , وأذا تابعنا هذه الظاهرة فسنجد لكل مدير عام حراس وحواشي وسيارات وكلها من أموال الشعب وهؤلاء بدون عمل حقيقي لذلك يشكلون مع غيرهم مما سنرى جيشا من العاطلين عن العمل وهي بطالة مقنعة , أما الوزراء والنواب فلكل واحد منهم مما لايقل عن ثلاثين حارسا وحمايات أخرى تتعد أسماؤها مع أرتال من السيارات وهذه كلها تشكل أستنزافا مستمرا للمال العام وموازنة الدولة , أما الرئاسات الثلاث فعند جهينة الخبر اليقين وكل واحد منهم يعرف كم معه من الحراس والحمايات ولكنهم يمتنعون عن التصريح والحجج دائما أمنية , والجميع يعرف أن ألامن مخترق ولم يحقق للمواطن العراقي مايصبو له من ألامن وألامان , وكل واحد من الرئاسات الثلاث لايقل تعداد حماياته وحراسه عن ملاك لواء عسكري , وبعضهم يصل الى ملاك فرقة عسكرية ؟ وهذا كله يدخل في مفهوم الفوضى والفساد الذي يندر وجوده في دول العالم فقيرها وغنيها ودكتاتوريتها وديمقراطيتها ومن هي بين بين ؟

وحتى لاننسى مفردات أخطبوط الفساد فسنجد مايسمى بألايفادات تحتل نسبة متضخمة لامثيل لها من الهدر المالي , فالوزير له مخصصات أيفاد ووكيل الوزير وعضو مجلس النواب وعضو مجلس المحافظة ورؤساء الدوائر وأغلب الموظفين والضباط وألاطباء والمهندسين والطيارين وسلسلة طويلة من العناوين التي يصعب أحصائها , أما سيارات رؤساء ألاقسام والشعب في كل دوائر الدولة فهي تمثل لونا أخر من الهدر المالي والفساد فالبنزين والتصليح وقطع الغيار كلها على الدولة ولاتوجد دولة في العالم تتحمل مثل هذا الهدر المالي العبثي وغير المسؤول , أما كارتات الموبايل التي تعطى للكثير من موظفي الدولة فهي مسألة تستدر العجب وألاسى على هذه الدولة المظلومة من موظفيها , وهذا يمثل بعدا أخر من أبعاد اخطبوط الفساد في العراق , أما المقاولات والعقود التي تمنح للشركات ألاجنبية لاعمال غير متحققة أو مفترضة وأخرى وهمية فلها سماسرة في لبنان وألمانيا وبريطانيا وبعض دول الخليج ولا ننسى خلية غسيل ألاموال العراقية في عمان ألاردن حيث تشكل أحد أذرع أخطبوط الفساد في العراق , ولشركات النفط وتلزيماتها ورخصها حديث طويل , أما أمانة العاصمة فهي  اللغز والطلسم في خريطة أخطبوط الفساد في العراق ويدخل في ذلك الطلسم عقود وزارة الدفاع والداخلية والصحة والتربية والتعليم العالي والتجارة والزراعة والبيئة والصناعة والهجرة والمهجرين خصوصا بعد أزمة النزوح ألاخيرة والموارد المائية والبلديات وألاشغال العامة والرياضة والشباب والعدل , أما وزارة الخارجية فحديثها يدمي القلب ويؤرق العيون وأنا لله وأنا اليه راجعون .

أحدث المقالات