ليست هي المرة الأولى ولا نعتقد إنها ستكون الأخيرة ، تلك الظروف والإحداث التي تواجه موازنتنا الاتحادية ، ففي كل سنة مالية يتكرر السيناريو نفسه وهو تأخر مجلس الوزراء في تقديم الموازنة الاتحادية بموعده المحدد لمجلس النواب، واعتماد وزارتي المالية والتخطيط ذات الأسلوب في درج الأرقام وعلى طريقة copy – paste رغم الوعود التي تقدم في كل عام بإتباع أساليب متقدمة في إعداد الموازنة للعام القادم كان تكون موازنة برامج او أهداف او غيرها من الأنواع التي باتت تتبعها اغلب الدول في إعداد موازناتها منذ عقود وليس سنين ، والقضية لا تتعلق بمجلس الوزراء فحسب وإنما بمجلس النواب الذي غالبا ما يستغرق وقتا طويلا في مناقشة وتحليل الموازنة من قبل اللجان المعنية والتي من صلاحياتها إبداء الرأي واقتراح البديل قبل إحالتها إلى رئاسة البرلمان لغرض عقد جلسة التصويت والتي غالبا ما تشهد اتفاقات وتسويات وانسحابات ، وبسبب التأخير المزمن في إصدار الموازنة والاعتماد على صرف 1/12 شهريا من تخصيصات العام السابق ولزيادة حجم السلف والأمانات والغياب شبه الكامل للحسابات الختامية ، فان أبوابا تفتح للفساد وطمر الحقائق وان كان الصرف يخضع لإجراءات ديوان الرقابة المالية ورقابة هيئة النزاهة لان موازناتنا ضخمة وكبيرة قياسا بالعديد من الدول التي تشابهنا في عدد السكان، وكما معروف في نظامنا السياسي فان السلطتين التشريعية والتنفيذية تتبدل معا كل أربع ، وهذا التداول السلمي للسلطات لا غبار عليه ولكنه يخلو من إبراء الذمم المالية مما يفقد الموازنة العديد من فوائدها ومنها مقارنة المخطط بالمنفذ واستخراج المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي يجب بان تتابع باستمرار ، وهذه الأمور غابت او غيبت بسبب تأخير تقديم الحسابات الختامية ، فرغم إن ثلاث حكومات تبدلت بعد 2013 إلا إن حساباتها لم تقدم لحد اليوم كما إن عامي 2014 و2020 خليا من وجود الموازنة الاتحادية ، إذ تم تسيير اغلب الأمور بالتسويات المالية والتي تعد من اخطر الطرق عند إتباعها في بلد تسوده العديد من شبهات الفساد .
ورغم إن الموعد المرجح ( الخميس 25 شباط الحالي ) للتصويت على موازنة 2021 قد تأجل لحين حسم الأمور المتعلقة ببعض المواد التي تخص إقليم كردستان ، فان هذا التأخير وان كان يضر بمصالح الكثير من الناس بما في ذلك المباشرة بالمشاريع ودفع الاستحقاقات وإتاحة الفرص للعاطلين عن العمل ودفع الرواتب بمواعيدها المحددة ، إلا أن التأجيل لا يؤسف عليه من الناحية الموضوعية ، لان الموازنات التي صدرت بعد عام 2003 والتي كانت إحدى الانجازات لمرحلة ما بعد التغيير أخذت تفقد مزايا الموازنة بشكلها الصحيح ، فهي تعتمد على التقديرات نظرا لغياب التعداد العام للسكان بعد 1997 وخضوعها لعوامل وضغوطات سياسية وتحولها إلى ميزانية تاريخية أكثر من كونها أداة للتخطيط لأغلب جوانب الحياة ، فالموازنة الصحيحة يجب أن تتبنى أهداف وتتضمن مؤشرات ومعايير وتخضع للقياس والتقويم من مرحلة الإعداد وحتى بعد انتهاء اجلها الزمني ، وهذا لا يتعلق بموازنة العام الحالي وإنما يشمل اغلب الموازنات التي أعدت قبل العام الحالي لأنها مرات بذات الظروف ولعلها واحدة من أهم الأسباب التي أدت لإنفاق أكثر من تريليون دولار دون ظهور نتائج ملموسة في التنمية المستدامة ، لان العيوب تتكرر والموازنة تحولت إلى أداة للتنفيذ بما يتيح لوحدات الصرف الاستناد لتخصيصاتها للصرف ، فموازناتنا من المقرر أن تبدأ في 1/1 من كل عام ولكنها تصدر في نيسان او مايس وبذلك تفقد العديد من خصائصها ومزاياها وجدوى إعدادها ، كما إن ذلك يخالف القوانين المحلية كقانون الإدارة المالية والدستور وأنظمة مجلسي الوزراء والنواب وكل نص ورد فيه مواعيد محددة تتعلق بالموازنة الاتحادية ، وما يعرض هنا ليس الغرض منه نقد الوضع الحالي الذي تأخر فيه إعداد موازنة 2021 فحسب ، وإنما التذكير بان الموازنات الاتحادية التي صدرت خلال السنوات الماضية وان كانت أفضل من حالة اللاموازنة التي كانت سائدة في سنوات الحصار ، إلا إن الأهداف الحقيقية والمفترضة لإعداد الموازنات لم تتحقق بعد ، وتلك حقيقة يجب أن يدركها من ينوي التصدي لقيادة البلاد في السنين القادمة لان الموازنة أداة للتغيير والإصلاح لمن يريد ذلك بالفعل .