حكم البشير الذي امتد لثلاثين عاماً و كان عبارة عن تحالف بين الاسلاميين المدنيين و العسكر.. لازمته الاخطاء منذ ساعاته الاولي، فخطأ السياسيين المدنيين في حزب ايدولوجيا الإسلام-السياسي كان انهم راهنوا علي قوة العسكريين و ارادوا ان يحكموا عبر القوات المسلحة للاستفادة من خصائصها “المؤسسة القومية المحائدة سياسياً” لكونها تجد قبولاً شعبيا لذلك حينها، بينما خطأ العسكر هو أنهم قبلوا بصيغة التحالف “أي ان يكونوا هم في واجهة المشهد و يكون المدنيين في الخلفية و يمرروا سياساتهم و رؤاهم عبر العسكر”..
ثم توالت بعدها أخطاء السياسات الأمنية و العسكرية و الإجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و الدينية داخلياً و ايضاً أخطاء السياسة الخارجية، فكانت المحصلة بلد منهار داخلياً و محاصر و معزول اقليمياً و دولياً.
من الاخطاء القاتلة التي وقع فيها النظام هي محاولته منذ 2013م عندما اضطر لاتخاذ اجراءات اقتصادية صعبة هي محاولته التظاهر بالضغط علي الطبقة الغنية (كان ذلك مجرد تصريحات شفاهية) ثم اعقبها بالحديث عن القطط السمان؛ من حينها بدأت السلطة تفقد الطبقة التي صنعتها بيدها و لم تنجح في كسب حلفاء بديلين!
لكن أخطاء البشير التي كلفته سلطته حرفياً في نهاية المطاف كانت اعادة تعيين أشخاص اتهمهم بالتأمر من قبل في قمة الجهاز الأمني و العسكري..
لقد اتبعت الانقاذ اسلوب غير مسبوق في “تدوير” المسؤولين علي المناصب! فشخص شغل منصب نائب رئيس أو مساعد تجده في حكومة اخري وزير أو والي “حاكم مقاطعة” و شخص شغل منصب رئيس وزراء و وزير خارجية يتم تعيينه سفير! و هكذا..
أما اعادة تدوير المسؤولين بعد اقصاءهم و اتهامهم و حبسهم فكان النقطة التي افاضت الكأس، فعندما اعاد البشير تعيين “صلاح عبدالله” في منصب مدير جهاز الامن الذي عزله منه قبل سبعة سنوات و اعاد تعيين “كمال ع المعروف” في منصب رئيس اركان القوات المسلحة بعد ان كان مشتبهاً فيه بالمشاركة في التخطيط لانقلاب عسكري كان ذلك بمثابة إعلان افلاس كامل المنظومة الحاكمة لتدخل في مرحلة “اجترار” بعد مرحلة التدوير.
كما أن تعيين ابنعوف في منصب نائب رئيس كان بمثابة إعلان عن فشل الصف الاول من تحالف الحاكمين العسكر و المدنيين، بما في ذلك فشل و افلاس البشير نفسه.
ان البشير باعتماده الثلاثي صلاح عبدالله و عبدالمعروف و ابنعوف اقرب معاونين له كان يرتكب آخر خطاياه و يدق آخر مسمار في نعش حكمه..
فمن اضحي يعتمد عليهم كلياً في البقاء هم عناصر ذاقت كيده و تنكيله و ولاءهم له ان يصمد في المحكات العصيبة، و قد كان؛ فثورة سبتمبر التي توجت في ابريل باقتلاع البشير مثلت ضغطاً رهيباً علي الثلاثي الذي مثل قمة اللجنة الأمنية الحارسة لنظام البشير، و كانت المقاربة التي احتكم لها ثلاثي اللجنة هي عقد مقارنة بين بأس البشير الذي اختبروه و كيد الشعب الذي لا مثيل له، و كان من الغباء ان يضحوا بانفسهم من اجل رجل يثقون في انه لن يتواني في ان يضحي بهم.