ما زلتُ أتذكر الفخ الذي وقع فيه الشعبُ المصري بعد الاطاحة بحكم نظام مبارك وكيف دفعتهم العاطفة الدينية لانتخاب محمد مرسي ممثلاً عن الاخوان المسلمين . ثم كيف اتضح لهم فيما بعد حجم الخطأ الفادح الذي ارتكبوه مما دفعهم لإعلان رفضهم للرئيس المنتخب وقيامهم بالتظاهرات الضخمة للإطاحة بحكمهِ المبني على قمع الحريّات وترهيب المواطنين بشتى الوسائل عن طريق ميليشيات الاخوان المسلمين . وقد تحقق هدفهم بعد تقديم التضحيات الكثيرة وبعدَ أن استوعب الشعبُ المصري الدرسَ استيعاباً جيداً . وأخشى أن يتكررَ نفس المشهد في العراق وذلك لوْ حصدت قائمة ( سائرون ) المدعومة من مقتدى الصدر على عدد كبير من المقاعد البرلمانية . وخشيتي هذه ليست من باب الكراهية للقائمة اطلاقاً ، بلْ لمعرفتي التامة بحقيقة تكوينها وتوجهاتها وبالأسباب التي يمكن أن تكون مستقبلا عوامل عدم استقرار العملية السياسية برمتها . فهذه القائمة وكما معروف للجميع رغمَ تآلفها مع عدد من الشيوعيين لكن قبضة السيد مقتدى الصدر ستكون هي المتحكمة بشؤونها ومن المستحيل أن يفلت زمامها من قبضته . وهنا تكمن الخطورة لأن السيد مقتدى منذ عام 2003 وليومنا هذا لم يعرف الثبات على موقفٍ واحد ، بل دائما يحاولُ تغيير اتجاهاتهِ دون أن يكون أيّ مبرّر لهذا التغيير ، ومفاجآته أذهلت حتى البعض من أنصاره ، وهذا بحدّ ذاتهِ اسلوبٌ مخيفٌ يربكُ العملية السياسية ويربكُ المجتمعَ العراقي أيضا . وهذا الأمر يذكرني بالزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ، فهو كان رجلا وطنيا مُحبّا لشعبه ولوطنهِ ولكن تقلبات أفكاره وتغيير اتجاهاته جعلتهُ يخسرُ الكثير من المزايا ويفقدُ عوامل استمراره على قيادة العراق القيادة الحكيمة . وان كان البعض من مؤيدي وأنصار الصدر يرون في قولي تجاوزاً على سماحة السيد مقتدى فعليهم أن يتجرّدوا من الولاء المطلق وأن يضعوا بعض النقاط أمام أعينهم من أجل اكتشاف الحقيقة بحيادية تامة . والسنوات السابقة حافلة بتلك المفاجئات والمتغيرات السريعة التي كان يلجأ اليها السيد دائما ، ولا حاجة ليْ لذكرها لأنها أصبحتْ بحكم الواقع الملموس جزءاً من التاريخ . ومن الأمور التي تعززُ خشيتي أن التيار التابع للسيد مقتدى الصدر لا يؤمن الاّ بشيء واحد هو الولاء المطلق لهُ والخضوع التام لأوامره دون فتح الأبواب للحوار والنقاش ووضع النقاط على الحروف ، وكأن سماحة السيد وفق رؤاهم خارج دائرة الخطأ . وهذا يعني أنهم أعطوه درجة العصمة التي يستطيع بها أن يتحكم بكل شيء وكما يشاء . والذي يثيرُ خشيتي أكثر أن التيار الصدري على مدى السنوات السابقة كان وما يزالُ يميلُ الى فرض الرأي عن طريق القوة ، ويعتبرُ أي شخصٍ يتقاطعُ فكرياً مع أفكار السيد مقتدى خارجاً عن الدين وعن المذهب ولابدّ من اقامة الحدّ الشرعي عليه . وأي شخصٍ يريدُ معرفة الحقائق عليه أن يدقق بمنتهى الحيادية بجميع الأحداث التي مرّت على مدى خمسة عشر عاماً ليكتشف بنفسه حجم المآسي والويلات التي تعرّض لها العراقيون في النجف الأشرف وفي غيرها من المدن العراقية من قبل الذين لا يجيدون سوى لغة الرصاص والقتل والانتقام تعبيراً عن الولاء المطلق للسيد مقتدى الصدر .