23 ديسمبر، 2024 3:40 م

نظرياً وفي المشهد المعلن كل الناس ضد الفساد المالي والإداري، أكل المال بالباطل سواء من المال العام أم من مال خاص، ومثله استغلال النفوذ والسلطة، لكن في باطن الأمر هناك من لا يمانع في التعامل مع الفساد والانغماس فيه بل وفتح الثغرات والتخريجات له، وبعض آخر لا يمانع في التسويغ له بالقول كل العالم فيه فساد، لندخل في النسب ثم نتفرع إلى تطور الدول وعمرها الزمني إلى آخره للتخفيف من القضية.

وهناك فئة ثالثة لا تمانع من الصمت عن الفساد حتى ولو مر من تحت أرجلها وبين أيديها، حتى لا تتضرر مصالحها إما وظيفة أو غيرها.

هذا واقع يعلمه الغالبية ومع الاهتمام بالحديث والكتابة والنشر عن قضايا الفساد لا بد من وقفة انتباه قبل الاندفاع، إذ يختفي خلف بعض الأصوات التي تنادي بمكافحة الفساد وتضع هاشتاقات في «تويتر» بأسماء مجهولة أو رسائل في الواتساب لا يعرف مصدرها، يختفي خلف ذلك تصفية حسابات إما بين «تيارات» فكرية «والفكر هنا مظلوم»، أو مصالح «فئوية» تدفعها العاطفة أحياناً، والانتقام لقضايا شخصية أحياناً أخرى، والمهم ألا تنفلت القضايا باختلاط الحقيقي منها بالمزيف أو المضخم، لأن النتيجة المتوقعة إذا ثبت لاحقاً أن بعض الاتهامات غير صحيحة أو غير دقيقة، تراجع الاهتمام بمكافحة الفساد شعبياً حذراً من ظلم أحد ما، ليصبح بإمكان شبكة الفساد أن تشكك في كل قضية تطرح.

لا بد من الاعتراف أن مكافحة الفساد منذ إنشاء الهيئة كانت مكافحة إعلام توعوية في الأساس، فهي لم تعمل كما يجب، وقيل إنها البدايات، لكن اتضح أن هذا هو السقف لدرجة اضطرت الهيئة لتحسين صورتها وضع لوحات بداية المشاريع ومدة التنفيذ لتغبر في النهاية! ثم اكتفت بالحديث عن «الوازع» في محاولة إحيائه، وهو ما أدى إلى تغول الفساد، أما قبل إنشاء الهيئة فحدث ولا حرج عن الصمت الطويل.

ما بين هاتين المرحلتين حدث ما كان متوقعاً، معرفة شبكة الفساد أن هذه هي حدود «المكافحة» وسقفها، والثاني التكيف مع الفساد من باب «انظر حولك» و«ما شفت إلا هذا»!، ثم جاءت الاستقطابات للكفاءات «المتمزمزة» لتفتح المسألة «بحري» كما يقولون، وهي عود من عرض حزمة.

ومهمة «نزاهة» وغيرها من أجهزة رقابة الآن أكثر صعوبة بسبب هذا «الإرث الثقيل» من جهة والأمر الملكي الأخير الخاص بوزير الخدمة المدنية من جهة أخرى، الذي اتضح منه أنه إذا رفعت ووصلت أوراق مكتملة عن قضية يتم الاهتمام والبت بها من أعلى مستوى.
نقلا عن الحياة