تعزية العراقيين بوفاة د. أحمد الجلبي، إستحضار لتاريخ من الوقوف بوجه الطاغية المقبور صدام حسين، أسفرت عن إستصدار أمريكا قانون “تحرير العراق” الذي فك رقاب ابناء الشعب، من ربقة قيود “البعث” المنحل، وقد جار عليهم حد عرق اللحم من العظم وسحقهما في ما بعد!
فهل نتأسى عن فراقه بإستعراض منجزاته؟ نعم! وهذا أضعف الإيمان، بيد المسلمين لإرادة ربٍ رحيم يختار لعليائه، ما يشاء من العباد.
د. الجلبي.. حرر شعبا، وكان عازما على بناء وطن للعراقيين، الذين إنفصمت عرى الوطنية لديهم، منذ 17 تموز 1968، و… تلاشت متخبطة بين المعتقلات ومغبات الطوامير الشهيرة.. نكرة السلمان والشعبة الخامسة وثرامات الأمن العامة ومجازر الحرس القومي وإبادة إنتفاضة آذار 1991والحرب والحصار.. جوعا ودما، أسهم أحمد بإنتشالهم من دوامته التي طوتهم 35 عاما…
رحيل د.أحمد هادي الجلبي، في غفلة من الزمن، يؤيد البديهة الكونية التي تقضي بأن الموت لا توقيت ولا مكان له، ولا يفرق بين قوي وضعيف ولا غني أو فقير.. الكل متساوون أمامه، مثل أسنان المشط، ولكل أجل كتاب؛ فـ “كل إبن أنثى وإن طالت سلامته.. لابد يوما على آلة الحدباء محمول” لم يفلت من إنتقائيته أنبياء ولا رسل ولا ملوك ولا أي كائن على الأطلاق؛ لأن ما في الوجود، يولد لبدء العد التنازلي، نحو النهاية الحتمية!
يستحضر الموت أسبابه، التي تبعث الموعظة الكبرى، في وجدان من يمكثون أحياءً، على وجه الأرض، بعد أن يوارى الراحلون ثراها تحت أديم البقاء.
وتعزية العراقيين برحيل بطل أسهم بتحريرهم، هو السير على النهج السديد الذي تمناه؛ إذ اراد عراقا إنموذجيا يتمتع أبناؤه بثرواته، مطمئنين، قولهم فيه: “سلاما سلاما”.
حتى التحق شخصه بالله، حيث نعيم الجنة، وقولهم فيها: “سلاما سلاما” ومن شاء أن يعيده الى الحياة، فليسعى الى تحقيق أمنيته، بإستثمار العقل الإقتصادي الدولي، الذي ورثه أبا عن جد، وصقله بدكتوراه أكاديمية، في تصريف شؤون المال، إيجابا لخدمة الإنسانية جمعاء، وهو يصبو الى إختصاص وطنه بالقدر الأغزر من فيض علمه، وهو يخطط لإقتصاد عراقي رصين، مدعم الأركان..
ثلاثون مليون رحمة، نابعة من صدقة جارية، تصدر عمن حررهم، تصب في قبر الجلبي، محرر شعب وراسم خطط عظيمة، لو عادت الدولة إليها الآن، لشيدت عراقا حضاريا قوي الإقتصاد منيع الحدود مثالي البنية.. شكلا ومضمونا.
طاب ثرى الجسد المسجى، وطابت روحه مقاما خالدا.. بين أسلافه الأصلاء.. شريفا من نسل أطهار.. رحم الله الجلبي، وسدد خطى الباقين نحو الفلاح، لعراق أحبه معارضا وخدمه محررا.