23 ديسمبر، 2024 12:28 ص

أحمد مصطفى  نزيه صيانة  الكهرباء

أحمد مصطفى  نزيه صيانة  الكهرباء

كلما سمعتُ أو قرأت شيئاً ما عن الكهرباء تحتل جسدي قشعريرة أو رجفة من الخوف أو عدم الراحة تجاه موضوع الكهرباء. الجميع وفي مناسبات متعددة يشكون من سوء الكهرباء ومعاناتهم التي لاتنتهي صيفاً أو شتاءاً. موضوع الكهرباء أصبح مألوفاً لدرجة أنني شخصياً  لم أعد أشكو أو أتذمر من هذه المشكلة التي لايمكن لدولة أو حكومة  تنبثق من أي حزب أو طائفة قادرة على أن تجد حل مهما خُصصت لوزارة الكهرباء من أموال انفجارية أو غير ذلك.  في هذا الموضوع لاأريد أن أضع الحلول أو المقترحات التي يمكن من شأنها أن تعالج هذه المشكلة الكبيرة. المسألة التي يجب علي قولها هنا تتعلق بالجانب ألإنساني لبعض العاملين في شؤون الكهرباء على إختلاف عناوينهم الوظيفية. لم أفكر يوماَ ما في حياتي أن أكتب ولو كلمة واحدة عن أي دائرة لها صلة بوزارة الكهرباء لأنها لاتعنيني بأي شكل من ألأشكال وليس في مجال هواياتي أو إختصاصي . الظرف الذي وجدتُ نفسي فيه بلا تخطيط مسبق هو الذي دفعني الى كتابة هذه السطور لرسم صورة معينة  شكلت بالنسبة لي صورة مشرقة عن بعض العاملين  حينما قذف بي القدر لأكون قريباً منهم يوماً ما. حدثت مشكلة بسيطة في كهرباء منزلنا البسيط  لاأعرف كيف أحلها والى من ألتجيء. اقترحت علي شريكة حياتي أن أذهب الى الحكومة – هي تعتبر أي موظف في أي دائرة هو الحكومة – بغض النظر عن عنوانهِ الوظيفي. نظرتُ إليها بحزن لأنها لم تعد تفرق بين وزير الكهرباء أو أبسط عامل في دائرة من دوائر الكهرباء. سمعتُ كلامها وحملتُ همومي وحزني وتوجهت الى  دائرة صيانة الميكانيك أستنجد بهم. كنتُ خائفاً حد الموت لأنني وضعتُ في الحسبان أنهم سيمتصون دمي ورزقي الذي بالكاد أحصل عليه. تصورتُ أنهم سيقفون لي عند أول خطوة أخطوها عند باب الدائرة وسيطلبون مني كذا وكذا من المال من أجل تصليح العطل- هذا ماكنتُ أسمعه من الناس- بأن دائرة الكهرباء – أي كهرباء- تعتاش على جهود  الفقراء عن طريق – الهدية أو البقشيش- كما يسمونه عامة الناس.  وقفت عند باب الدائرة وأنا أسمح لمخيلتي أن تسافر الى كل ألاتجاهات. شاهدتُ شاباً في مقتبل العمر . بعد إلقاء السلام والتحية تقدم نحوي بوجهٍ بشوش وابتسامة لاتفارق شفتيه. شرحتُ له سبب المشكلة التي جئتُ من أجلها. بطريقة لم أتوقعها صاح بأعلى صوته ” أبو عبد الله, حسين, استعدا مع السائق لدينا واجب” . لم أفهم ما كان يتحدث به الى العاملين أو الى السائق. نظر إلي ألأستاذ  – أحمد مصطفى – وهو يطلب مني أن أعطيه العنوان بالكامل المحلة والزقاق والشارع ورقم البيت. طلب مني العودة الى المنزل وسيكون مع فريق العمل في دقائق معدودة. لم أصدق ماكنت قد سمعته.  قلتُ مع نفسي في طريق العودة على دراجتي الهوائية تحت أشعة الشمس الملتهبة ” ..هو يريد أن يبين نفسه بأنه مجد في عمله ولكني متأكد أنهم لن يأتوا مالم أقدم لهم هدية معينة” .  قبل أن  أصل البيت بأمتار كانت سيارة – صيانة الميكانيك- تقف أمام المنزل. لم أصدق ماكنتُ أشاهدهُ.  ترجل أحمد مصطفى وحسين وأبو عبد لله كأنهم أسود جاؤا من أقصى البلاد لخوض معركة شرسة تحت لهيب الشمس.  
صاح أستاذ أحمد ” ..سوينه طريق للبيت ” . هرولت أمامهم كأنني جندي جريح ينشد الخلاص من الموت. حينما فتح ألأستاذ أحمد ميزانية الكهرباء ابتسم بهدوء وهو يقول ” ..عمو…لاتخف..العطل بسيط” . في غضون لحظات عادت الكهرباء الى المنزل. لم أصدق ذلك. حاولت أن أضيفهم بشيء من المشروبات لكن ألأستاذ أحمد رفض وأخبرني بأن هناك طلبات كثيرة تنتظرهم.  قبل أن تنطلق سيارة الكهرباء حاولت أن أكرم ألأستاذ أحمد لكنه صرخ ” ..أستغفر الله هذا واجبنا عمو ” . انطلقت السيارة تشق عباب الصمت . بقيتُ أنظر الى السيارة والأستاذ أحمد يلوح لي  مبتسماً. تمنيتُ لو أنه أخذ تلك – الإكرامية – كي أعود الى أوراقي وأصب جام غضبي على كل شيء يتعلق بالكهرباء لكنه أنتصر علي انتصارا ساحقاً واستطاع أن يغير تلك الصورة  الظلامية التي كنتُ أرسمها في ذهني عن عمال الكهرباء في كل زاوية من زوايا العراق. بارك الله في كل عامل وموظف في وزارة الكهرباء. وبارك الله في كل عامل من عمال صيانة الميكانيك  للكهرباء. من خلال تلك التجربة التي مررتُ فيها عرفتُ أن أي عامل أو موظف في أي دائرة هو سفير لوزارته بإمكانه أن يشوه تلك الصورة أو يجعلها زاهية بأي عمل يقوم به مهما كان صغيراً أو كبيراً.
[email protected]