23 ديسمبر، 2024 1:09 ص

أحمد حسين والشعر والغناء بالبكاء

أحمد حسين والشعر والغناء بالبكاء

الراحل أحمد حسين شاعر مشاكس استثنائي مميز، ومتفرد بفكره وشعره ومواقفه، ومن الاصوات الشعرية الفلسطينية الجميلة . له قصائد في غاية الشفافية والروعة والجمال. وما يميزه تجليه وتوهجه الشعري، وعنف انفعاله وحرارة العاطفة، وذراه المجازية والتعبيرية ، وقوة تراكيبه ومتانة صياغته اللفظية ، وأناقة الصور الفنية والمجازات والاستعارات البلاغية ، وكثافة لغته الفريدة .

إنه نبي الغضب والرفض والتحدي، وشاعر المقاومة والوطن والتراب ، وشاعر الحزن الجميل. أشعاره تتدفق وتنبض بالإحساس الوطني والنزعة القومية العروبية والروح الانسانية، وخياله خصب شاسع وواسع .

أحمد حسين آمن على طوال حياته بأنه يجب على القارئ الارتفاع والسمو والرقي إلى مستوى الشاعر ونصه ، وليس هبوط ونزول الشاعر إلى ذائقة العامة ومستوى ثقافتهم ومعرفتهم ووعيهم الشعبي . ولذلك ظل شاعرًا نخبويًا يكتب ما يمليه عليه فكره وعقله وإحساسه وعواطفه ومزاجه وضميره الوطني.

وأحمد، كما يقول صديقه وصنوه الأديب والمثقف الراحل نواف عبد حسن في معرض حديثه عن ديوانه ” زمن الخوف ” : ” ليس كشعراء ” الاعلام ” الذين استمرأوا ” الطبطبة على الظهر ” والابتسام لأنفسهم امام موجات الاثير، والذين يستظلون تحت لحية الشهرة ، ان احمد يحزم اعصابه ويوقدها على نار الفجيعة ، يتنفس المأساة ملء الرئتين ، فيروعننا في قدرته على صياغة ما يقتنصه من صور ، وما يرتعش في رحم الغد، فالنبوءة مجسدة بصورة او بأخرى، في نهاية كل القصائد، والرعب بحجم الدهشة “.

ورغم مكانته الادبية البارزة تعرض المرحوم احمد حسين للتعتيم والتغييب والتهميش، نتيجة مواقفه المغايرة المختلفة النوعية والجذرية، وحوصر من قبل المؤسسة الفلسطينية الرسمية. وصدق الكاتب الفلسطيني/ الاردني موسى حوامدة بقوله : ” الشهرة لم تكن هدف أحمد حسين بل كانت الحقيقة غايته ووسيلته وظلّت واضحة جليّة في كل ما يكتب ويفعل، لذا خسر وظيفته وكثر أعداؤه، وخاف من التقرّب منه كثيرون ونفر من مواقفه وحدتّه النقديّة والسياسيّة عديدون “.

أحمد حسسين كان رافضًا للخطاب السياسي الفلسطيني السائد، وتجلى ذلك في كتاباته السياسية والفكرية وفي قصائده.

كان يغني بالبكاء، وبالحزن يفرح من جديد، وكانت حياته وطبيعته ثائرة متمردة ، شغوفَا بخوض البحار الهائجة.

ومن جميل ما كتبه احمد حسين هذه القصيدة الهفهافة الشفافة الطلية الجميلة كالحسناء، ذات الايقاع والنغم الموسيقي والمضمون الواضح، كان قد نشرها في مجلة ” البيادر ” المقدسية، التي كان يصدرها الصحفي جاك خزمو، في عددها الصادر في ايلول العام 1977، ويقول فيها :

غنائي لعينيكِ يعني البكاءَ

غنائي لوجهكِ يعني السفَرْ

وجدْتكِ في الحزنِ

لا تبرحيهِ

فمنه المواعيدُ

منه السحابُ

ومنه المطرْ

ومنه الترابُ الذي صار دمعأَ

بعينيّ …

خبّأت أين الشجرْ؟

وجدتكِ في الحزنِ

طال اللقاء ُ

ثلاثين بُعدَا

ثلاثين سبْيَا

ثلاثين عارْ

وجدتكِ بين انصرافي ووجهي :

أمامي انتظارُ

وخلفي انتظارْ

تعلّقتُ من نظرتيّ، التَفَفْتُ

على غصن لوز كشعَر امرأه

متى تُطْلقني أصرْ منكِ شيئاً

فسبحانَ وجهكِ

سبحان صدركِ

سبحانَ حِضنكِ ، ما أدفأه ْ

تعلمّتِني ! كيف دار الزمانُ

فصِرتُ انا النقشُ ، انتِ الحجرْ

وكنتُ كما تعلمين – المُغنّي

وكنتُ ….

ولكن لماذا تظنين أني بكيت ُ

قديمَا .. قديمَا

فهل تسبق الكلمات الصور ْ

إذن فاسمعيني ، اسمعيني

غناءَ يُعرّشُ فوق الدروبِ

اذا ما تَذكرتِ صوتي … انهمرْ

أنا الحبُّ ، لن تفقديني

وفيكِ ترابٌ

وحول اريحا شجرْ!

يبقى القول ، أحمد حسين ظاهرة شعرية وقريحة شاعرية ممتزجة بعاطفة حساسة قوية ، وأسلوبه الرشيق الرصين يدل على اطلاع ومعرفة عميقة وذوق في اللفظ والمعنى والمبنى . والاهم في نصوصه عمق التجربة وصدق الشعور واصالة الاحساس . فسلامًا لروحه وله دفء القلب .