7 أبريل، 2024 4:46 م
Search
Close this search box.

أحلام الصغار تصطدم بوقائع الكبار

Facebook
Twitter
LinkedIn

في المنطقة كما في العراق تتبلور الأحداث المتسارعة على عناوين جديدة قادت إليها تداعيات الحرب على الإرهاب، وأبرز هذه العناوين مطاردة المنابع الفكرية والسياسية لهذا الخطر الذي يهدد ما بنته الحضارة المدنية الإنسانية وهو الإسلام السياسي بجناحيه الطائفيين السني والشيعي ومغادرة سياسة مهادنة مؤسساته وأنظمته التي قادتها إدارة الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما.

ويبدو أن هذا التطور الجيوسياسي سيؤدي إلى انكشاف المعركة بحجمها وأدواتها وإداراتها وأنواع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية المستخدمة وغير المستخدمة.

والأهم من ذلك كله انتهاء حالة تداخل الخنادق بين ما يخـدم المواطن في هذه البقعة المشتعلة من العالم، وبين ما يضر بمصالحه بل بتحويله إلى حطب لنار المصالح.

وقد كرّست هذا التداخل مؤسسات وعناوين للعرب “وجامعتهم” والخليجيين و”اتحادهم”، وسادت المجاملات وغض الطرف عن مخططات الإضرار بمصالح الإنسان العربي لدرجة التغاضي والسماح لسياسات المحاور والصفقات المصلحية، وعدم مواجهة ساسة وأنظمة تموّل منظمات التطرّف والإرهاب تحت شعارات الإسلام لسبب بسيط مثلا أن نظاما في المنطقة يدير دولة مجهرية لأنه يملك المال الوفير بنفوس لا تتعدى المليون ونصف كواحد من تسع دول صغيرة في العالم مثل سويسرا وهونغ كونغ وسنغافورة والإمارات، لكن ماله يوجهه لرعاية منظمات الإسلام السياسي السني معتقدا وتحت مشورة مفكرين فشلوا في قضيتهم الأساسية أنه بذلك يمكن أن يصبح كبيرا ويزاحم الكبار في مصالحهم، يشتري الذمم ويؤسس ويرعى منظمات الإرهاب ويدعمها سياسيا وإعلاميا ويصنع هياكل سياسية لمعارضات طائفية تخدم جيوبها قبل شعبها.

حصل ذلك في العراق وسوريا، وقبل هذه الأيام كان مطلوبا تفكيك المنطقة إلى قطبي الصراع الطائفي، سني وشيعي، بزخم عال من التطرف من دون اكتراث للضحايا والأضرار التي مزقت المجتمعات.

فكان العراق الضحية الأولى والمدخل الحيوي عبر اجتياحه عسكريا في مارس 2003، وأن تكون القاعدة اللوجستية المهمة هي قاعدة عيديد في قطر ولولاها لواجه العساكر الأميركان صعوبات كبيرة بعد رفض تركيـا تقديم مثل هذا الدعـم اللوجستي للجنود الأميركان واحتلالهم للعراق بدعم إيراني.

وليس من قبيل الصدفة أن تكون قطر بعد كارثة الاحتلال العسكري هي ملاذ المقاومين المسلحين العراقيين من السنة، ولم تكن طهران بعيدة عن هذا المشهد فقد شاركت الدوحة في استقبال عبر مقاولين للمقاومة مجاميع كثيرة قُدم لها المال والسلاح لكن عملياتهم كانت محدودة وتحت أنظار أجهزة الاستخبارات الأميركية، وأودع وغيب الكثير من المغرر بهم تحت اسم “مقاومة الاحتلال” مما يعطي الدلائل على أن المقاومة المسلحة العراقية كانت مخترقة من عدة جهات أهمها طهران وواشنطن. لهذا السبب حينما برز سيـاسيون يشتغلون على أول حملة انتخابية في العراق عام 2005 كانوا سذجا حين كـانوا يحملون في جيوبهم رسائل خطية من فصائل تابعة لحزب البعث والمقاومة المسلحة لكي يزيدوا من عيار الدعم، ولأن المضيفين من العرب القطريين والإماراتيين والسعوديين كانوا على اطلاع بأصل اللعبة، لكن ذلك لم يمنع من تقديم “أصول الضيافة” فهذه دول لا تؤثر عليها كمشة من الدولارات، وفضائح الدعم المالي تشهد عليها معارك التخوين في فنادق عمان في ذلك الوقت.

كانت بطاقة مرور المعارض السني للعملية السياسية هي موافقة الدوحة ومباركتها حتى وصل الأمر بأن السياسي العراقي الذي لا يحظى بموافقة قطر فهو لا ينتمي للعرب السنة. ولهذا فقد تم تدمير وخذلان العرب السنة مرتين؛ مرة من قبل الزعامات الوسيطة بينهم وبين الدوحة، ومرة ثانية من قبل الجهات المتطرفة داخل الأوساط السياسية الشيعية.

والكلام حول الدور السعودي في دعم العرب السنة في العراق مبالغ فيه ومصدره إيران الند للطرف الأكبر في القطب السني. فالدوحة هي صاحبة الشغل الرئيسي في هذا الميدان وقُدم لها هذا الدور لدغدغة أحلامها بأن تأخذ دور الكبار تحت ضغوط أحلام الصغار بعد أن أثبتت بفعاليات عديدة أنها أكثر وأنشط حركة من المملكة العربية السعودية المعروفة بسياستها التقليدية، وسبق أن رضخت للقرار الأميركي برفع يدها عن الملف العراقي بعد عام 1991 واعتذرت لكل من إياد علاوي وصلاح عمر العلي اللذين أسسا حركة الوفاق المعارضة بعدم دعم مشروعهما لتغيير نظام صدام من الداخل، واختار إياد علاوي الذهاب لأجهزة المخابرات الأميركية وغيرها فيما اعتزل العلي العمل السياسي.

وانطلقت قطر في ميدان الإعلام لكي تغطي على كثير من عناصر القوة المعنوية التي تفتقـدها، فالتقطت مشروع قناة الجزيرة عام 1996 بعد أن كان مخططا له من قبل إسرائيل لينشأ في عمان الأردن حسب أحاديث بعض الأوساط الإعلامية الأردنية في ذلك الحين، وبعد فترة قصيرة من إطلاق القناة وصفتها أمام مجموعة من الزملاء الإعلاميين العرب بأن “الدوحة هذا البلد الصغير امتلك السلاح الكيماوي”.

وهناك أمثلة كثيرة لدخول قطر المجال الإعلامي العربي فكثفت جهودها على الملف العراقي في أواخر عام 1997 وأنفقت المال على أحد الإعلاميين العراقيين المعارضين لنظام صدام في لندن فأسست له جريدة يومية وأغدقت عليه الأموال الذي عرف كيف يوظفها لتكون قاعدة مالية لنفسه فيما بعد من دون أن ينفق على الجريدة الكثير، فقد استفاد من خبرات بعض الصحافيين والإعلاميين العراقيين المعارضين في لندن بأجـور منخفضة رغـم رقابة أجهـزة المخابرات القطرية المباشرة داخل مقر الجريدة، ثم حصل ما حصل في المحاكم البريطانية بين ذلك الإعلامي والجهات القطرية على إثر نشره لخبر أساء لزوجة الأمير القطري السابق وقد تم حل الموضوع رضائيا.

وفي خضم التطورات الجديدة على مستوى إنجاز معركة الموصل في العراق واحتمالات حصول سيناريوهات سياسية جديدة يمكن أن تعرض العملية السياسية وطائفيتها إلى مخاطر تزحزح مواقع الأحزاب المهيمنة، خاصة بعد إشهار الحملة السياسية لدونالد ترامب ضد مرتكزات الإسلام السياسي، تسعى قطر إلى تقديم الوجوه المحسّنة من بعض السنة العراقيين أنصاف السياسيين ممن دخلوا عبر بوابة التجارة والمال إلى جانب الوجوه التقليدية التي تصر على عدم مغادرة مواقعها رغم مسيرة الفشل والفساد. فعقدت اجتماعات في أنقرة وجنيف برعاية قطرية، وأخيرا في بروكسل تحت رعاية معهد السلام الأوروبي، فهناك تدافع وتكسير عصي لمن يتقـدم من غير الشخصيات المتبوئة لمراكز عليا في الحكومة والبرلمان ليظلوا وحدهم بعد تطعيمات ثانوية مرتبة معتقدين أنهم سيثبتوا للأميركان أنهم وحدهم في الساحة السنية، غير مبالين بأي حل سياسي مقبل المهم أن يعيدوا تثبيت مواقعهم معتقدين أن النـاس الذين انتخبوهم وهم اليوم مشردين مقتلعين من بيوتهم المهدمة سيعيدون انتخابهم مجددا.

مع أن جميع الأطراف الراعية للملف العراقي قد وصلت درجة الغثيان من هؤلاء السياسيين الذين فشلوا وسرقوا أموال الشعب، فوفق أي من الأسس يجددون التزكية لهم حتى يتمكنوا من تجديد لعبة التزوير، كما أن هذه الدول لم تتعب نفسها بالبحث عن البدائل النزيهة والنظيفة وغير الطائفية.

إن هؤلاء السياسيين وأنصافهم سواء من السنة أو الشيعة لم يشبعوا رغم السنوات الطوال وفراغ خزينة الدولة العراقية، ولم ينتبهوا إلى ما يدور حولهم.

وبالنسبة للزعامات السنية فإنهم يعيشون وهما حول الأميركان مفاده أن المشرفين على منصة المناقشات الحالية يمثلون إدارة ترامب وهم الذين سيوصون بتزكيتهم أمام الرئيس الأميركي رغم قناعاته المعروفة بهم.

هذه اللقاءات تدخل ضمن ما يسمى بمجموعات العمل التي تقدم استشاراتها للإدارات الأميركية العليا، وتوصياتها ليست ملزمة علما بأن القائمين الرئيسيين على الملف العراقي تم استبدالهم بأصحاب رؤى ملبية لقاعدة ترامب الجديدة “لا مكان للإسلام السياسي الشيعي والسني في قيادة العراق وسوريا”، حتى وإن بقي بعض الموظفين التابعين للخارجية الأميركية فهم موظفون ينفذون التعليمات والأوامر، وأي من هذه العواصم الكبرى طهران وواشنطن والرياض وأنقرة تهمها ترتيب مصالحها في العراق، وقد يكون الشد والجذب الحالي مقدمات للطاولة المنتظرة رغم إن أميركا تمتلك جميع المفاتيح في العراق ولها وجود عسكري مكثف رغم ما نسمعه من نفي حكومي عراقي رسمي.

الإيرانيون قبل غيرهم يعرفون ذلك، ومن المستبعد حصول صدام عسكري إيراني أميركي، ولهذا فالاصطفافات الحالية عند بعض دول الخليج في محاولة لإضعاف ما حصل في قمم الرياض برعاية ترامب تدل على قصر نظر.

وتلك الدول لا تحتاج لأن تعلن عن انحيازها لطهران خوفاً من اشتعال النيران الطائفية الداخلية فهذا الأمر أصبح معروفا.

العواصم الصغيرة التي تبحث لنفسها عن دور لا مستقبل لها، إن لم تتخلص من دعم الإسلاميين المتطرفين، وتنضم إلى محيطها الإقليمي بما يعزز قوة العرب وتماسكهم، مع دعوة إيران لكي تعيش بسلام مع جيرانها وأن تبتعد عن التدخل في شؤون العرب. أحلام الصغار تصطدم بقواعد الكبار.
نقلا عن العرب

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب