18 ديسمبر، 2024 7:04 م

“\u0623\u062d\u0634\u0641\u0627 \u0648\u0633\u0648\u0621 \u0643\u064a\u0644\u0629\u061f”

“\u0623\u062d\u0634\u0641\u0627 \u0648\u0633\u0648\u0621 \u0643\u064a\u0644\u0629\u061f”

علاوة على كون لغتنا العربية لغة موسيقية، فإنها تزخر بكنوز مخبأة في صفحات التاريخ القديم والمعاصر على حد سواء، فهي تضم فنون الأدب والشعر والنثر وسائر الفنون، وللأمثلة حضور في كل العصور التي مرت بها البلدان الناطفة بالعربية ولاسيما وادي الرافدين، فمنذ القدم كانت بغداد قبلة الثقافة على مر العصور كما هي اليوم عاصمة الثقافة.

ماذكرني بماضي العراق الثقافي هو المثل القديم: (أحشفا وسوء كيلة؟!) إذ ان هناك شخصا كان يبيع للناس أردأ أنواع التمور، وفوق هذا فهو لايعدل في الكيل بل يخسر الميزان، فأخذت الأعراب هذا الحالة مثلا لتشبيه من لايخلص في البيع مرتين، مرة في النوعية ومرة في الوزن. ورب سائل يسأل بلهجتنا العراقية مستفسرا عن (ربّاط السالفة) فيما مضى من سطور. أقول مجيبا: جميعنا ننتظر بلهفة وشوق اجتماعات ساستنا ومسؤولينا التي لاتنتهي، والتي عادة ماتسبقها التحضيرات المكلفة، وتتخللها الإجراءات المبالغ بها ماديا وإعلاميا، فيما النتائج التي تتمخض عنها لاتكاد تسد خلة من الخلل الكثيرة التي يعاني منها مجتمعنا. والمجتمعون لسوء حظ العراقيين يمارسون الضحك على ذقون الجميع وأولهم أنفسهم، ولاسيما الممثلين عنا والناطقين باسمنا والموصلين أصواتنا والمداعين بمطالبنا والضامنين حقوقنا والمراقبين عمل المؤسسات التنفيذية، فكأنهم لايدركون حاجة المواطن الى قرار يعيد له حقا كان قد غُبن، او إجراء من لدن قادته وحكامه، يشعره أن بلده أضحت على جادة الطريق السوي كباقي بلدان العالم المرفهة، لاسيما وبلده يعوم على بحار من الخيرات والثروات، وما يؤلمه أن وضعه يشبه الى حد كبير وضع شعوب الدول الفقيرة.

ومازال دأبنا في بلدنا الانتظار، فمنا من علق أمله في الحصول على فرصة عمل بنتائج تلك الاجتماعات. ومنا من بات فاغرا فاه وأفواه عائلته بانتظار لقمة عيش كريم، بتوظيفه في مؤسسة من مؤسسات الدولة، بعد ان نال البكلوريوس بدرجة جيد. ومنا من يطمح برؤية بناء وعمران وصرح يقف شامخا في مدينته وقضائه وناحيته كما يراها في فضائيات (A.D) او (القطرية T.V) ومنا من يتحسر على رقعة خضراء في شوارع منطقته كتلك الواحات الغناء التي يشاهدها على قناة (Ajman) او (Kwait T.V). ومنا من يهوى استنشاق نسمات ليل دجلة بأمان من دون قلاقل وتفجيرات، ذاك الأمان الذي فقده لسنين خلت، ويتوخى بساسته ان يحققوا له هذا في اجتماعهم. ومنا المتقاعد الذي شد الحزام على بطنه حتى أوشك ان يقطع خصره، على أمل مايخرج من كنف برلمانه من قرار فيما يخص المتقاعدين. ومنا الطالب الذي يأمل ان يكون صفه كالذي يسمع عنه في المدارس النموذجية الحديثة، بعد ان قضى سنته الدراسية بمدرسة لاتحتوي على (W.C).

ان كل ماذكرته في السطور السابقة غيض من فيض احتياجات العراقيين في محافظات بلدهم جميعها، وكلهم آذان صاغية وعيون جاحظة ورقاب مشرئبة، تترقب بفارغ الصبر ما تأتي به اجتماعات أولي أمرهم، علـّها ترفع من مستوى معيشتهم. إلا أن ما يؤلم حقيقة، هو أن تلكم الاجتماعات تفضي عادة الى اللاشيء، وغالبا ما يكون مخاضها عقيما، وفوق هذا وذاك يتلاعب المجتمعون في توقيتاتها، ويتقاذفونها بين تأجيل وإرجاء الى آجال مسماة، او حتى غير مسماة، فغدوا يجسدون المثل القائل: أحشفا وسوء كيلة؟.