23 ديسمبر، 2024 7:50 ص

للشاعر جبار الكواز
“مدونات شعرية نكاية بالنسيان”
قراءة عقيل هاشم الزبيدي
……………………………………
وهو ينثر مواعيده في الهواء
قال:منذ حزن لم اطرق ابواب الدينونة
كان منزلي النائم في الاعالي
ونوافذي التي ادخرت اوهام العشاق
كتبي التي خانتها الارضة
وخطاي الثقيلة ماشحت بوجهها ليالي العسر
واطراس مياهي في رزنامة القتلى
(كل ذلك هواء في شبك)
يدخلنا الشاعر “جبار الكواز” في عمق تجربة شعرية جديدة ، مؤكد هي امتداد لدواوينه السابقة وهي تجربة الاغتراب وانقسام الذات وهي تيمة تتجلى عبر معظم قصائد الديوان ومفردات القصيدة ومكوناتها لغة وصور وغير ذلك ، تجليات الاغتراب والبناء الشعري في ديوانه ” أحزان صائغ الطين” تصريح بالأفكار المجردة ، وفضح وكشف فني عن خبايا الذات.
اقتباس:
هكذا
بلااستذان
ابحث عن شجرة
غادرتني في طفولة
حيث انت
لما تكوني هناك
ولم اكن هناك ايضا
وماكنا يوما معا…ص22
فالأنا المغتربة هنا المفتتح المباشر والظاهرة.الأنا المغتربة للشاعر هي بمثابة الرحم الذي يخرج منه أجنة الديوان ، حيث تلعب الصورة الشعرية دورا بارزا في استجلاء هذه الرؤية والصورة بهذا المفهوم تصبح هي القصيدة كاملة من ألفها إلى يائها ، وهذا نلاحظه في معظم قصائد الديوان ، فالقصيدة عند الشاعر تشكل في مجموعها صورة كلية ، بيد أن هذه القصائد تتنوع بين الطول والقصر وإن كان يغلب على الديوان القصائد القصيرة والطويلة والسردية .
اقتباس:
ورقة ورقة تسقط الروح في الفراغ
ويصير الكلام عسلا والهواء ذباب
لاالصمت حصى
ولاالاسئلة جناح المنافي
هكذا قالت الشمس نملة
والظلال الى كاسها نائمات
لم يحن الوقت لابرة الموت
فالمدى كشفت عريها موجة في الفرات…ص65
«أحزان صائغ الطين» والتي اختار الشاعر نصوصه بعناية فائقة، ألفاظ من ممكنات جمالية يوسع ألشاعر حدودها من أجل الإقامة في شعرية مفتوحة تعمل على هدم كل التصورات الجاهزة للكتابة الشعرية، وعلاقة تلك النصوص شكليا بتجاوز الحدود بين الأجناس الأدبية أو انفتاحها مع نصوصه الشعرية ؛ أي الوصول الى القصيدة الشعرية المنفتحة والتي تجعل من نصوصه مرآة مخاتلة ترى نفسها فيها وفق شعرية الأثر المفتوح هنا يعمل الشاعر في بناء هذه الحدود الجديدة من طريق استثمار المكون السردي في قصائد العمل، وذلك باستخدام اللغة الشعرية، والميل نحو المجاز، وتشكيل الصورة الشعرية بكل ألوانها. هذا مما لا يخفى على القارئ، بينما يقلقه أن يرى التعبير الشعري يكتسب صوغاً مختلفاً، وهذا الصوغ يظهر في الاعتماد أكثر على المكون السردي بكل حيثياته في بناء القصيدة، وبناء شكلها، وبناء أسئلتها الجمالية. ويتضح هذا المكون في بناء الوصف بوصفه تقنية من تقنيات القصيدة أيضاً.
اقتباس:
من موت المؤجل/استيقظ في زقاق الرماد مندهشا/تلمس اكفان اصابعه المنقوعة بالدم كانت لؤلؤة القبر تدير الراح على زوبعة الافواه/وتلعن زمنا صار الاعمى فيه ضبعا مذؤوبا/ياضيعة النساء/السحنة لن تفتح مائدة للدود /وخيط التابوت الذي قيس على شبرك يابروكست/ماعاد يداجن ليكون البيت او الموت او المقهى/خمسة اعوام وقلبك تنور يتهدج فيه الفيء يمج الحقد على غيمات عجلى ستطيل الهمس بلا جدوى…ص 85
في هذه النصوص نجد هذا الهاجس السردي/الاسطوري حاضرا، والذي ينقل إلينا مظهراً من مظاهر التجريب في الاشتباك مع الوصف ، المزج بين الوصف الذي هو من طبيعة سردية، والصورة الشعرية التي تعتمد على التصوير البلاغي ، حتى أننا نستطيع أن نقول إن الجزء من الوصف السردي الواقعي يمهد للجزء الذي يتعلق بالوصف الشعري. ويتجلى أيضاً المكون السردي في الاعتماد على عنصر الحكاية.أي أن القصيدة تحكي أكثر من اعتمادها على الوصف، أو أنها تنقل إلينا بعض الخصائص التي تميز شيئاً، أو موضوعاً ما،ومن الخصائص التي تلفت الانتباه في العمل، استمرار الحكي من قصيدة إلى أخرى، بمعنى أن الحكي لا ينتهي بانتهاء القصيدة، بل يستمر في القصيدة التي تأتي بعدها مباشرة، ما يعني أن قصيدة ما تكمل قصيدة أخرى في طريقة الحكي، وفي الموضوع الواحد، أي أن القصيدة تكون جزءاً من قصيدة غيرها.
اقتباس:
قميص مردوخ في قفص الضباب
قميص جلجامش في غيابة المياه
قميص انكيدو الذي تنسجه الرياح من غيوم
قميص عثمان على الرماح
قميص يوسف الذي صيره الكهان سجنا وكفن…ص118
هنا النص يتقاطع فيه جمال اللغة واستعارة النص السردي التراثي والاسطوري والذي يؤكد على استمراره في خلق شعر لا يعرف حدودا ولا ينغلق في تصور معين، الشاعر هنا يحاول خلق عالم شعري متحرر بالمعني الحرفي للكلمة، فهذا الديوان استمرار للفلسفة الشعرية الباحثة عن الجمال في اللغة والشكل، ايضا هو فرصة للتأمل والرؤية والدهشة تتحول فيها الألفاظ إلى ما يشبه اللوحة الفنية، تحمل كل ألوان الحلم والحياة. ويستمد الشاعر خياله الشعري.النصو تتأرجح بين ماض وحاضر يكاد ينفلت من سياج الذاكرة. والتعبير عن الحالة النفسية جراء الذاكرة/التاريخ ، لا يقل عن كونه عملا فنيا ينتصر فيه الإحساس بالآخر على لحظات اعادة القراءة والتي عادة ما تكون مرادفا للانتظار والغياب.
اقتباس:
لاسوادها الذي يقطر
ولابياضها في مشكاته
اوهماني بالجنون
فما زلت بما تساقط من ظلي
افرك روحي بالنجوم
ولن اسجد الالمحياها
الظماى….178
واخيرااقول ومن خلال هذه النصوص فالشاعر يحاول خلق مشاهد شعرية مختلفة ترتبط بالحرية والمراة بالذات الشخصية المتمردة ولكل أشكال التابوهات في الشعر. كما أن الشاعر يبحث عن خلق متنفس جديد؛ وشكل جديد قادر على عكس حالته النفسية بتوظيف اساليب فنية تداخل فيه الشعري بالسردي شكلا والتاريخي بالأسطوري موضوعا..