بعد 2003 بدأت الأحزاب بمختلف طوائفها وانتماءاتها تسعى لتثبيت موطىء قدم في السلطة, وعلى هذا الأساس من المفترض أن ينتقل العراق من فكر وسياسية الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية, الا أن ذلك لم يحصل على أرض الواقع, ففكر الحزب الواحد بدأ يأخذ منحى آخر ويظهر بشكل مختلف.
الأحزاب الوافدة بطبيعة الحال وحتى الأحزاب التي أنبثقت حديثاً بعد عام 2003 متخمة بأعداد تفتقر للقدرة على الإنتاج, لأن مقياس الحزب في العراق لا يقدر بالإنجاز والعطاء بل على أساس القاعدة الجماهيرية والقدرة على الأستقطاب, لأن الأحزاب تنظر للفرد على أنه مجرد صوت أنتخابي لا أكثر من ذلك ولا أقل.
العملية السياسية في العراق يتصدرها مشهد واحد, أشبه ما يكون بصراع الأفيال حرب طاحنة ضروس بين الأحزاب, كل يسعى للحصول على أصوات في المعركة الانتخابية المقبلة.
بعض الأحزاب السياسية أصيبت بالترهل والعجز, ودخلت مرحلة الشيخوخة المبكرة لأن التفكير بالكم دون النوع أضَر بمصالحها ومصداقيتها في الشارع العراقي, أذ بدأ الحزب المتخم يصدر للمناصب نماذج تفتقر للقدرة والكفاءة والعجز عن النهوض بالمسؤولية, ويصبح هم المتصدر للمنصب خدمة حزبه ونفسه قبل خدمة شعبه, فلا يعدو المسؤول كونه أكثر من مجرد دمية تحركها أيادي اللاعبين, وتجربة السنوات الثمانية المنصرمة قد أفرزت الفشل بشكل واضح.
النظر للمنصب على أنه مجرد وسيلة لخدمة الحزب والمصالح الشخصية, يمثل أول خطوات الفشل للحزب والمسؤول, فالحزب من جانبه يطلق العنان لنفسه لتسيير المنصب الذي يشغله مرشحه, والمسؤول من جانبه يطلق العنان لنفسه لخدمة مصالحه, فالخزانة تحت تصرفه والتعيينات متاحة لأسرته وعشيرته, وقد شاهدنا عشرات المسؤولين بمختلف مواقع المسؤولية يحرصون على تعيين عوائلهم الأبناء والبنات الاخوة والاخوات, ثم بعد ذلك ينتقل للعشيرة, حتى أن الدوائر والوزارات أصبحت أشبه بعشيرة متنقلة!
أذا عرف السبب بطل العجب, ومن يسأل عن سبب البطالة أصبح يعرف الآن أسباب التخمة في الوزارة العشائرية, والدائرة العائلية, والمواطن أيضاً بات يعرف جيداً أسباب الفشل السياسي والخدمي والأمني, أما الأحزاب التي تنتهج التخمة فقد أمتلأت كروش أصحابها وبدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي الآن في غرفة الإنعاش, والمشهد العراقي يبدو أنه سيتغير أذ أن المواطن العراقي بدأ يبحث عن وجوه جديدة يمكن أن تنهض بواقع العراق بعيداً عن الأحزاب الكهلة المتهالكة.