كشفت تجربة مابعد 2003 عن حقيقة الإنتماء الحزبي في العراق, وأنه لا يخرج في طبيعته عن الإنتماء العشائري والقبلي, وان الأحزاب السياسية العاملة في العراق بشكل عام لاتعدو كونها قبائل تمارس العمل السياسي, حيث مقومات القبيلة وعناصرها وتركيبتها الاجتماعية تكاد تكون ذاتها عند الأحزاب العراقية. فشيخ القبيلة او اميرها يناظره في الأحزاب زعيم الحزب او رئيسه مع فارق ان شيخ القبيلة يرث المنصب والمشيخة عن أبيه ويبقى فيها حتى مماته حيث يرثها من بعده ابنه, اما في الاحزاب العراقية فزعيم الحزب نادراً ما ينتخب انتخابا حقيقياً, ويظل متمسكاً بمنصبه ولا يتزحزح عنه الا بإنقلاب حزبي, ومؤخراً شهدنا زعماء احزاب يورثون الزعامة الحزبية لأبنائهم كما يورث شيخ القبيلة المشيخة لأبنه. واذا كانت العصبية ورابطة الدم هي اهم عناصر القبيلة كوحدة إجتماعية, فإن التعصب الحزبي وتوريث الانتماء الحزبي هي علامة فارقة لدى الأحزاب العراقية بشكل عام, فمن كان ابوه شيوعيا تجده اصبح شيوعيا, ومن كان ابوه إسلاميا تجده وقد تبنى الخط الاسلامي, وهكذا الحال بالنسبة لبقية الإتجاهات القومية والناصرية وغيرها مع وجود استثناءات هنا وهناك. وإذا كان الدفاع عن القبيلة ومناصرتها في الحق والباطل من التقاليد العشائرية والقبلية وعلى قاعدة انصر اخاك ظالماً او مظلوما, فإن الدفاع عن الحزب وزعامته وتقديسه وعدم السماح بنقده او انتقاده او التعرض إليه والتعصب له ولمواقفه السياسية بات تقليدا حزبيا, وحتى الانشقاقات الحزبية فهي تنبع عادة من الصراع داخل الحزب كما يحدث عند انشقاق عشيرة عن قبيلتها, وبذلك فإن الاحزاب العراقية هي في حقيقتها قبائل تتعاطى السياسة, فترى الحزب يغضب لغضب زعيمه كما تغضب القبيلة لغضب شيخها او اميرها, وتجد الحزب يدافع عن اعضاءه حتى ولو كانوا فاسدين وهذا سبباً رئيسياً لعدم محاسبة الفاسدين كما تدافع القبيلة عن ابنائها حتى ولو ارتكبوا جرما او جريمة, وترى المتحزب يجن جنونه اذا ما شتمت حزبه امامه كما تثور ثائرة القبلي حينما تذكر قبيلته أمامه بسوء. اختم ببيت شعر من قصيدة(البراءة) للشاعر الكبير مظفر النواب كشاهد على ما زعمت اذ يقول فيها:
الي ما مش ابو عنده
الحزب ابوه الحزب بيته.