مرة أخرى يتناول السيد عبد الجبار الشبوط رئيس تحرير جريدة الصباح البغدادية موضوع البناء والإعمار في محافظات كردستان الشمالية , ومرة أخرى يبدي انبهاره بما رآه في أربيل من تقدم وإعمار ونظافة ونظام وخدمات وحدائق وشوارع , ويتسائل لماذا لا تكون بغداد و واسط و بابل مثل أربيل أو السليمانية أو دهوك , فهي أيضا محافظات عراقية ؟ ليصل بعد ذلك لنتيجة أنّ كردستان تتطور وتتقدم عمرانيا وحضاريا وتجاريا , وتزداد المسافة الفاصلة بينها وبين محافظات العراق العربية , وكردستان تقترب من النموذج الخليجي بل الأوربي , والمحافظات العربية تراوح مكانها , ويرى أنّ الكرد منغمسون بعمل جاد ونشط من أجل إعمار ’’ بلادهم ’’ , وخلافاتهم السياسية لم تمس المبادئ العامة والإجماع السياسي الكردي , ولديهم أشخاص قادمون من الخارج يقومون بنقل خبرتهم الأجنبية إلى كردستان إضافة للخبرات والطاقات المحلية .
ولكنّ السيد الشبوط لا يبيّن للقارئ سبب عدم تأثر البناء والإعمار في كردستان بخلافات الأحزاب السياسية , وكذلك لا يبيّن سبب عدم استفادة المحافظات العربية من الخبرات القادمة من الخارج فهي ايضا ليست قليلة , بل أنّ غالبية وزراء الحكومة الاتحادية هم من هؤلاء القادمون من الخارج ؟ والسيد الشبوط يحاول أن يرجع أسباب هذا التخلف والتراجع في البناء والإعمار إلى الانقسامات السياسية بين الشيعة والسنّة والتي جعلت منهم شيعا وأحزابا متناحرة ومتنازعة ومتصارعة .
ولكنّي أختلف مع السيد الشبوط في الأسباب والمسببات , فانقسام المحتمع العراقي لشيعة وسنّة لم يكن جديدا وليس هو السبب , بل السبب في ’’ الإسلام الطائفي ’’ الذي تبّنته الأحزاب الشيعية والسنيّة معا , فهذه الأحزاب قد غلّبت الصراع الطائفي والمذهبي على المصالح الوطنية العليا للشعب , وسارت بعيدا في تأجيج هذا الصراع الطائفي تحت تأثير عوامل وأجندات خارجية وداخلية , وقدّمت أسوء الناس وأكثرهم فسادا لإدارة مؤسسات هذا البلد ووزاراته .
فالإسلام الطائفي ليس عقيدة أو دينا , وأحزابه ليست مؤهلة للبناء والإعمار , ولو كانت الأحزاب الحاكمة في كردستان , إسلامية كما هو حال العراق العربي , لما تمّ إنجاز هذا البناء والإعمار , ولربما تراجعت أكثر من المحافظات العربية , فالسبب هو في الأحزاب الطائفية الحاكمة , فالطائفية والإعمار نقيضان لا يلتقيان , وإذا لم يتمّ فصل الدين عن السياسة والإدارة فلن يكون هنالك بناء وإعمار وتقدم وازدهار , وسيستمر هذا التناحر والتنازع والتصارع , وسيستمر معه الفساد والقتل الطائفي .
فالدعوة لفصل الدين عن السياسة هو من أجل إبعاد الدولة ومؤسساتها عن الصراعات الطائفية والمذهبية , وقطع الطريق أمام هذه الأحزاب الطائفية للاختباء وراء الشعارات الدينية والدعوات الطائفية , ومن يريد التقدم والبناء والازدهار فعليه أولا نبذ الإسلام الطائفي وأحزابه الطائفية , والدعوة للدولة المدنية القائمة على أساس الدين لله والوطن للجميع .