23 ديسمبر، 2024 2:08 ص

أحدهم يأكل، والآخر ينظر

أحدهم يأكل، والآخر ينظر

ونحن نعيش مرحلة معيشية صعبة، حيث تفشي البطالة وقلة فرص العمل والكسب الحلال. لن أكون مخطئاً إذا ما قلت إنها مرحلة فوق الاستثنائية ولم يشهد العراق مثلها من قبل. مرحلة تتحطم فيها أحلام الشباب وتضيع كد الآباء والأمهات. مرحلة تسحق فيها كل الطموح وتتلاشى المثابرة وتكبح الجماح وليس فيها أي معناً للآمال ولا محل للأحلام.

كلما نظرت من حولي شاهدت خريجين وأبناء عوائل يبحثون عن عمل، وأي عمل كان يؤمن مستقبلهم بكل شرف وكرامة. لا مصانع لا معامل لا إنتاج ولا أراضي زراعية تزرع ولا مساحات خضراء. لا حاجة إلى أيدي عاملة في بلد يتصحر ويستورد الطماطة والبصل والبيض والأدوية وبل حتى مياه الشرب.

بالمقابل من هذا المنظر المعيب في بلد النفط، أجد آخرين يتقاضون رواتب شهرية تفوق الملايين دون أي عمل أو خدمة تذكر. ملاين تعطى إلى أشخاص لمجرد النفوذ والسيطرة والهيمنة.

شباب وعوائل تبحث عن أقل راتب لسد رمقها وسترة عورتها، وأشخاص يلعبون بالفلوس لعب. ناس تعمل من ساعات الصباح الباكرة وحتى المساء بأجر يومي مقداره عشرة الاف دينار فقط لا غير أي سبعة دولارات. وأناس يتقاضون رواتب تفوق الخمسون مليون ديناراً عراقياً وتحت ذرائع مختلفة.

وأنا أشاهد هذه المناظر المتنافرة في بلد المتناقضات أتذكر المثل التركي الشهير الذي يقول:

“Biri yer biri bakar, kıyamet onda kopar”

معنى المثل هو: القيامة تقوم إذا أكل أحدهم والآخر ينظر.

أي أن القيامة تقوم والساعة تحل إذا أشبع أحدهم بطنه والأخر ينام جائعاً.

ما يصوره هذا المثل التركي ليس ببعيد عنا. إنه تصوير دقيق لما نعيشه نحن في العراق حالياً. بل وكأن المثل هذا قد فصل على مقاسنا تماماً.

لا الكفاءات ولا أعلى الشهادات تفيد دون الإنتماءات والولاءات. بل كل العلوم تضمحل ولن تعني شيئاً دون أن يكون للمرء محسوبية.

أصبح المنظر يوحي بالغابة التي يكون فيها البقاء للأقوى. فليس للسنجاب أن يأكل مع الدببة وليس للغزال أن يلتقط طعامه في مائدة الذئاب. على طالب الحياة أن يكون مفترساً، فإن الطيبة لن تجدي.