تتسارع الأحداث في سوريا بشكل خطير جدا على النظام الذي فقد السيطرة على مقاليد الأمور بعد تفجير مجلس الأمن القومي أو ما يسمى خلية الأزمة ومقتل ابرز القادة الأمنيين فيها ،وحصول انشقاقات كبيرة في بنية النظام السياسي والعسكري،بشكل يشي حصول تغييرات سريعة دراماتيكية في سورية وفي المنطقة العربية كلها، وفي المشهد السياسي نرى أن النظام العربي الرسمي قد أصابه الشلل والتواطؤ وربما البعض منه يؤجج الأحداث ولا يريد لها أن تهدأ او تصل الى حلول سلمية كالذي حدث في اليمن مثلا من انتقال سلمي للسلطة والجلوس الى طاولة المفاوضات،في وقت ركب نظام بشار الأسد رأسه وأعطى ظهره للحل السلمي مهما تكن خسائره وتنازلاته لها،وهو أمر واجب ومفروض والسير في طريق المواجهة مع المعارضة وثورة الشعب السوري سيكلفه ويكلف الشعب الكثير من الويلات والثبور، وهما في غنى عنها ،إذا ما علمنا أن إدارة اوباما والغرب يصر على التغيير مهاما كانت النتائج وهو غير معني بها لان من سيدفع الثمن هو الشعب السوري،لذلك نرى الصراع الدولي جعل سورية ساحة لتصفية الحسابات (الإصرار الروسي والصيني والإيراني على دعم نظام الأسد مقابل دعم إدارة اوباما والغرب وتركيا وبعض الدول العربية كالسعودية وقطر والإمارات للمعارضة السورية)،وهكذا يزداد المشهد توترا وتعقيدا ودمويا ايضا،وقوافل الشهداء السوريين اليومية تثير وتؤجج الشارع العربي وتزيده تشاؤما وريبة وحذرا، لما سيصل به الوضع العربي المتردي أصلا ،بسبب غزو العراق وتدميره،وما حصل في ليبيا من دمار شامل فيها بسبب تدخل الناتو الجبان ،وفوضى الربيع العربي الخادع في مصر وتونس واستلام الإسلام السياسي مقاليد السلطة فيهما، المنطقة العربية تشهد سايكس بيكو وتغيير خارطتها الجيوسياسية ،تماما كما يريد لها مشروع الشرق الأوسط الكبير ،والذي بدأه في العراق رغم فشله المريع فيه ،بسبب صمود ومقاومة الشعب العراق الواعي والموحد تجاه ألاعيب وأهداف الغزو الأمريكي ،الذي فضحته المقاومة الباسلة للعراقيين في أول أيام الغزو الغاشم،وجاء ت الحملة العسكرية للناتو على ليبيا نتيجة هذا الفشل المخزي لإدارة اوباما والغرب المتصهين معها، ليتحول إلى سورية الآن ،ولكن بسيناريو مختلف هو دعم لوجستي سياسي وعسكري ومخابراتي وإعلامي جهنمي يأتي في مقدمته قناتي الجزيرة والعربية ، في حين يدفع حكام طهران باتجاه تعقيد وتأجيج وتفجير الوضع الداخلي السوري من خلال تواجد الحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب الله التابع لها وبعض الميليشيات الطائفية العراقية المسلحة،لإشغال الإدارة الأمريكية والغربية وأبعاد أنظارها عن ملفها النووي العسكري الذي يهدد المنطقة والعالم بأسره،وما كشفه السفير السوري في بغداد يدحض كل تخرصات ايران وحزب الله عن مشاركتهما في قتل السوريين والعراقيين معا،نعم ما تشهده سورية ثورة حقيقة شعبية وهذا شأن داخلي تماما نقره وندعمه ،ولكن لا يمكن أن نجيز ونشجع التدخل العربي والأجنبي في تغيير النظام بالغزو والتدخل العسكري كما حصل في ليبيا والعراق وتدميرهما ،وهو ما نرضه بقوة وندينه ،والتدخل الدولي قد زاد من تعقيد وتفجير الوضع الداخلي السوري ووصول المفاوضات بين المعارضة والنظام إلى طريق مسدود بسبب هذه التدخلات ،تمهيدا لتطبيق السيناريو الليبي فيها،إذن نحن أمام السيناريو الأمريكي –الغربي –الصهيوني نفسه ولكن عن طريق تفجير الوضع السوري من الداخل وإشعال الحرب الأهلية أولا بين طوائف الشعب، وهكذا رأينا القتل والاغتصاب والذبح والاغتيالات والخطف والتفجيرات وصولا الى الفوضى الخلاقة المنظمة،ونحن هنا لا نبرئ طرف من أطراف النزاع ،بل نضع المسؤولية التاريخية عليهما معا في إزهاق أرواح المواطنين السوريين،وعدم الركون الى الحوار السياسي وتقديم تنازلات حقيقة لإنقاذ البلاد من الدمار والخراب والتدخل الأجنبي ،وتفويت الفرصة على من يريد إحراق سورية وأهلها ،كما احرقوا العراق وليبيا،هذا المشهد يجب أن لا يتكرر أبدا،وقد ذكرته شخصيا للرئيس بشار الأسد بعد غزو العراق بأشهر قليلة مع وفد نينوى الشعبي (حيث ذكرت له حشود القوات الأمريكية الغازية على حدود سورية معززة بالطائرات في مطار تلعفر)حيث كانت تتهيأ لضرب سورية والدخول إلى أراضيها من ارض العراق المحتل،إلا أن المقاومة العراقية الباسلة أفشلت هذا المخطط في وقته، حقيقة الأمر أن الوضع السوري خطير جدا على مستقبل المنطقة برمتها ،وسقوط النظام يعني دخول المنطقة في حرب عالمية ثالثة يكون طرفاها أمريكا وإسرائيل والغرب من جهة وروسيا والصين وإيران من جهة أخرى وهذا ما بشر به هنري كيسنجر عراب السياسة الخارجية الأمريكية قبل أشهر حيث قال(إن من لا يسمع طبول الحرب في الخليج العربي فهو أصم )مبشرا ايضا بهيمنة أمريكا على العالم لعقود طويلة قادمة، المنطقة كلها على كف عفريت أمريكي صهيوني غربي ،وعاصفة من الصعوبة الوقوف بوجهها ،دون تقديم ضحايا وخسائر بشرية كبيرة،ولكن الحل المنظور الآن هو بيد الرئيس السوري لتفويت هذه الفرصة الخبيثة الشريرة لتدمير المنطقة،وهو الحوار وانتقال سلمي للسلطة والتفاهم مع المعارضة وتقديم تنازلات واضحة على الأرض هو السبيل الوحيد لإفشال المخطط الأمريكي الصهيوني على المنطقة كلها،وإبعاد شبح الحرب العالمية الثالثة التي تطبل لها إدارة اوباما منذ شهور،ورغم إصرار روسيا على مواجهة هذا المخطط، إلا أن روسيا لا يعول عليها أبدا لأنها خذلت العرب عدة مرات في تاريخها والعراق مثلا قريبا لهذا …أحداث سورية تؤشر خللا معيبا ومخجلا في النظام العربي سيدفع ثمنه العرب غاليا ،كما دفعوا الثمن الغالي في ضياع العراق وليبيا كقوة عربية تفرض التوازن الدولي في المنطقة (أضاعوني وأي فتى أضاعوا)….ومن حقنا أن نسأل الحكام العرب المنطقة إلى أين …أيها العرب…؟؟.