23 ديسمبر، 2024 8:53 ص

أحتجاجات الكرامة في العراق وخطبة المرجعية الدينية

أحتجاجات الكرامة في العراق وخطبة المرجعية الدينية

حمل رجل الدين، علي السيستاني، يوم، الجمعة أمس، الحكومة العراقية والأجهزة الأمنية مسؤولية مقتل متظاهرين وعدم حمايتهم في الاحتجاجات الدامية التي شهدتها البلاد، الأسبوع الماضي، وأودت بحياة أكثر من مئة شخص وآلاف الجرحى ومئات المعتقلين. ويعتبر السيستاني المرجعية الدينية العليا للشيعة في العراق، وقال ممثله عبد المهدي الكربلائي، خلال خطبة صلاة الجمعة في كربلاء، إن “الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن الدماء الغزيرة التي أريقت في مظاهرات الأيام الماضية”، محددًا مهلة أسبوعين للسلطات كي تعلن نتائج تحقيقاتها.

وأضاف الكربلائي أن ما حصل عبارة عن “مشاهد فظيعة تنم عن قسوة بالغة فاقت التصور وجاوزت كل الحدود”، معتبرا أن الحكومة مسؤولة “عندما تقوم عناصر مسلحة خارجة عن القانون، تحت أنظار قوى الأمن، باستهداف المتظاهرين وقنصهم، وتعتدي على وسائل إعلام معينة بهدف إرعاب العاملين فيها”.

بعيدا عن الجدل المستديم والدائر على أشده بخصوص التعقيدات الناتجة من زج الدين والمرجعيات الدينية في السياسية في الوضع العراقي ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري في عام 2003 وما جلبه هذا التدخل من آثار سببت في خلق مزاج غير مواتي لبناء عملية سياسية بعيدة عن زج الدين في دهاليز السياسه, الى جانب اشتداد الطائفية السياسية والأحتقان الجغروطائفي, وأشتداد ساعد الاحزاب الاسلاموية, نرى ان خطبة الجمعة اليوم 11-10-2019 جسدت بوضوح كافي ادانة الحكومة العراقية واجهزتها الأمنية والعسكرية في ارتكابها إراقة الدماء بين شباب انتفاضة أكتوبر, كما طالبت الحكومة بالتحقيق العاجل ومعرفة كل التفاصيل ومن هو المسبب لذلك او ما اسمته المرجعية” بغزارة الدم “, كما اعطت المرجعية الشرعية الكاملة لأحتجاجات الشباب المطلبية بعيدا عن التهم الجاهزة الموجه لهم من قبيل العمالة و تنفيذ اجندات خارجية ورأت في مطالبهم كل الحق, كما أكدت المرجعية انها لم تقف ولا تدعم اي حزب بعينه من الأحزاب الحاكمة.

نعتقد ان هذا الخطاب وبفعل تأثر شرائح اجتماعية فيه اعطى قوة دفع اضافية للمحتجين في الأصرار على انتزاع حقوقهم والكشف عن مرتكبي جرائم القتل والقنص, وأكد عدم وقوف المرجعية الى جانب الحكومة, ومطالبتها بمحاسبة مرتكبي الجرائم, وهذا يعني لدى الشرائح المتأثرة بالمرجعية وخطبها الدوريه سقوط لشرعية افعال الحكومة واحزابها الحاكمة اتجاه المحتجين, وقد يجد موقف المرجعية انعكاساته في استمرارية زخم الأحتجاجات واتساعها في الذهنية المؤمنة بالمرجعية والمساهمة في احتجاجات اكتوبر العراقية. بالتأكيد ان خطاب المرجعية لا يخلو من محاولات امتصاص غضب الشارع الذي يلقي اللوم علبها في عدم وضوح موقفها من الحكومة وضبابيته في مناسبات كثيره وخاصة ان المرجعية لها اليد الطولى في تصميم النظام في بداياته الأولى.

نرى اليوم أن المرجعية وبعد كل الدماء التي سالت والتي سببها الصراعات الطائفية السياسية ونظام حكم بني على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية المريضة والذي لا يستجيب لأبسط مستلزمات العيش الكريم, وساهمت المرجعية في ترسيخه ووضع لبناته الاولى بالاتفاق مع قوى الاحتلال الامريكي والاحزاب الاسلاموية الطائفية, ان المرجعية اليوم مسؤولة اخلاقيا ودينيا وشرعيا عن الدماء التي تراق. ومن هنا جاء خطاب المرجعية يوم الجمعة منتفضا على ما هو سائد وعبثي ومنتهكا لكل الحرمات الدينية والانسانية, وبغض النظر عن توقيته ودوافعه ومديات سقفه, إلا انه يشكل محاولة لردع السلطات الحكومية المتمادية والمستهترة بالدم العراقي.

ولعل ابرز ما ورد في خطاب المرجعية هو: ادانتها ورفضها للأعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون وكذلك عدد من القوات الامنية, وصفها للمتظاهرين بأنهم سلميون, حديثها عن سقوط آلاف بين جرحى شهداء في بغداد والناصرية والديوانية وغيرها, تأكيدها بأطلاق النار على متظاهرين سلميين, اعتداء على قنوات فضائية ووسائل اعلامية لمنعها من نقل ما يقع من احداث في ساحات التظاهر, تحميلها الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولية الدماء الغزيرة التي أريقت في مظاهرات الأيام الماضية، سواء من المواطنين الأبرياء أو من الأجهزة الامنية, تأكيدها مسؤولية الحكومة عن قيام بعض عناصر الأمن باستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، ولو بسبب عدم انضباطهم وانصياعهم للأوامر, مطالبتها بقوة للحكومة والجهاز القضائي بإجراء تحقيق يتسم بالمصداقية حول كل ما وقع في ساحات التظاهر، ثم الكشف أمام الرأي العام عن العناصر التي أمرت أو باشرت بإطلاق النار على المتظاهرين أو غيرهم، وعدم التواني في ملاحقتهم واعتقالهم وتقديمهم إلى العدالة مهما كانت انتماءاتهم ومواقعهم, تأكيدها مجددا على وجوب المضي في المشروع الإصلاحي من مكافحة الفساد المالي والإداري وتحقيق درجة من العدالة الاجتماعية، والذي شرطه أن يتم فرض هيبة الدولة، وضبط الأمن وفق سياقاته القانونية، ومنع التعدي على الحريات العامة والخاصة التي كفلها الدستور, تأكيدها الانحياز للمظلومين والمحرومين من أبناء الشعب، بلا تفريق بين انتماءاتهم وطوائفهم وأعراقهم, تأكيدها عدم انحيازها إلا إلى الشعب، وعدم دفاعها إلا عن مصالحه، وعدم مداهنتها لأحد أو جهة فيما يمس المصالح العامة للشعب العراقي.

بالتأكيد لا اريد القول هنا انها بداية القطيعة بين الاحزاب الاسلامية الحاكمة والمرجعية الدينية في النجف, حيث تتداخل وتشابك المصالح بين عناصر وقيادات من الاحزاب الاسلامية وبين عناصر ورموز من العاملين في المرجعية, وهذا نوع من تشابك المصالح وتداخلها بين الاسلام السياسي وبحثه عن شرعية للبقاء عبر استمالة رموز من المرجعيات, ولكن اقول ان هول الاحداث وما يجري للعراق من خراب شامل وضع المرجعية امام اعلان حالة الطلاق مع الاحزاب الحاكمة” ولو جزئيا ” وعلى مرأى ومسمع من الشعب, فهي تبرئة لازمة نفسيا, رغم انها ليست الحل, وانما الحل بيد الشعب وحده صاحب المرجعية الوحيدة في التغير الشامل ونقل العراق الى مصافي الدول المتحضرة, يحترم فيها الدين والسياسة “. وما دامت هناك تأثيرات للمرجعية الدينية في عقول الكثير فأن موقف المرجعية اليوم يضيف الى طاقات الشباب المنتفض طاقات مضاعفة نحو التغير الشامل لنظام الفساد والمحاصصة الطائفية والاثنية.