6 أبريل، 2024 9:12 م
Search
Close this search box.

أجيال النكسة والهزيمة والتخلف

Facebook
Twitter
LinkedIn

قبل البدء بكتابة المقال لا بد من التوضيح، بأننا عندما نتكلم عن الأجيال فنحن نتكلم على العموم، وهذا لا يعني وجود الأستثناءات في هذا الجيل أو ذاك، ولكن ومن الطبيعي نحن عندما نتكلم ونكتب لايكون قياسنا الأستثناءات بقدر ما نتكلم ونحكم على عموم أبناء الجيل0تتعاقب الأجيال في كل دول العالم الواحدة تلوه الأخرى كأمر طبيعي لكي تستمر الحياة ولا غرابة في ذلك فهي سنة الحياة الألهية، أما كيف تتعاقب وماذا تستلم من الأجيال التي سبقتها فهذا ما سنتكلم عنه0من الطبيعي أن كل جيل يستلم من الجيل الذي سبقه كل عناوين الحياة التي وصل أليها، سياسيا وأقتصاديا وأجتماعيا وثقافيا ورياضيا وفنيا وما الى ذلك ليكمل مسيرة البناء والتقدم والنهوض وليضيف أليها ما يستطيع من أبداعات ولمسات، ليستمر الخط البياني لحياة تلك الدول وشعوبها بالصعود والتطور والتقدم فالأجيال هي التي ترسم المستقبل والحياة، وهذا ما نشهده وما تسير عليه دول العالم المتقدمة التي أستطاعت أن تحافظ على سيرها بلا تلكؤا بسبب وطنية حكامها وأخلاصهم في قيادتهم لشعوبهم ولحسن التخطيط والتدبير في كل الأمور، والأهم هو أستقرار أوضاع بلدانهم السياسية، حيث أن الأستقرار السياسيي في أي بلد ينعكس، على باقي المجالات الأخرى فتنعم جميعها بالأستقرار0 ومع الأسف بأن مثل هذه المسيرة المستقرة للأجيال لا توجد في غالبية الدول العربية بل وعموم المنطقة العربية ألا في أستثناءات قليلة، لكون غالبية الدول العربية تعيش دائما حالة من عدم الأستقرار السياسي الداخلي والخارجي، الأقليمي منها والدولي ولكون المنطقة العربية أصلا تعيش حالة من الأضطراب منذ عقود!، ولو أن ذلك لا يمنع أية حكومة وطنية مخلصة مهما كانت الظروف من أن تعمل من أجل صناعة أجيال المستقبل أذا كانت حريصة وتريد ذلك0 الغريب الذي يحدث في تعاقب الأجيال وأستلام راية الحياة من بعضها البعض، هو عندما تنقطع صلة التواصل بين الجيل والجيل الذي سبقه!، لأسباب كثيرة ومتعددة، فيرى هذا الجيل نفسه ضائعا وسط صعوبات الحياة، وبالتالي يجد نفسه، بأنه لا يستطيع النهوض بأعباء المهمة والمسؤولية التاريخية والوطنية التي أوكلت أليه من كافة وجوهها، وذلك لعدم وجود أية أدوات للنهوض بسبب ظروف البلاد السياسية والأمنية والأقتصادية والأجتماعية بل، بعموم الظروف التي تحيط بالبلاد الأقليمية منها والدولية، فمن الطبيعي ستتوقف عجلة الحياة عند هذا الحد!، وهذا ما حدث بالعراق منذ جيل الثمانينات!0 فبولادة هذا الجيل لم تتوقف عجلة الحياة فقط، بل بدأت بالدوران والتراجع الى الخلف وبشكل خطير!، حيث يعتبر هذا الجيل ليس بداية أنتكاساتنا وخيباتنا وفشلنا فحسب، بل هو بداية الجرح العراقي الذي ظل ينزف ولحد الآن!0 فقد ولد هذا الجيل على بيانات جبهات القتال وبين أحضان الخوف والموت وصور الدمار ووميض القنابل وأصوات الأنفجارات، ثم كبر وترعرع بين جدران الحصار والجوع والحاجة، فلم يذق طعم الحياة وحلاوتها كما الأجيال التي سبقته وبالكاد شق طريقه بالحياة متجاوزا صعوبات كثيرة وكبيرة فخرج من المعمعة والمسؤولية التاريخية التي واجهها بأقل درجة من النجاح!، متعكزا على آلام وجراح الحروب والحصار، حاملا معه تراب السنين العجاف لأنه وجد الكثير من قنوات التواصل المعرفي والحياتي التي تربطه بالأجيال التي سبقته قد تقطعت، وأن كل عناوين التقدم والبناء والتطور قد توقفت، والأنكى من ذلك بدأت بالتراجع!0وبقدرعدم الرضا من قبل الأجيال السابقة على واقع هذا الجيل بكل أوجهه وصوره حيث ترى فيه الكثير من العيوب والقصور!، رغم علمها بأن هذا الجيل ليس بيده حيلة من قدره وحظه في الحياة!، ألا أن أجيال الستينات والسبعينات هذه، سرعان ما عادت تترحم على جيل الثمانينات!، بعد أن عاشت ورأت جيل التسعينات والألفينات!!، حيث وجدوا أن جيل الثمانينات يستحق كل التقدير والأحترام مقارنة بالأجيال التي جاءت بعده!، لأنه ظل متمسكا الى حد ما بميراث الأجيال التي سبقته وحاول التواصل معها فكريا وعلميا وثقافيا وأدبيا وفنيا وأجتماعيا وحتى أخلاقيا، على قدر أستطاعته!0 أن كارثة العراق الحقيقية هي في أجيال التسعينات والألفينات!، فهي الأجيال الأكثر أنتكاسة وخيبة والأكثر أنهزاما وضعفا وفشلا!، فهم أجيال الكليات الأهلية وجيل التخلف والأمية الجامعية!، وأنعدام الثقافة والأختلال والضمورالواضح في بنيتهم الأجتماعية والتربوية والفكرية والأخلاقية0أن غالبية أبناء جيل التسعينات لا يمتون ولا تربطهم بالأجيال التي سبقتهم أية صلة كما وأنهم ليست لديهم الرغبة، في البحث لأيجاد ولو بصيص أمل من خيط يربطهم بميراث تلك الأجيال التي سبقتهم والتي بنت العراق وأبدعت وقدمت كل صور الفداء والتفاني والأخلاص من أجل بناء الوطن من كل الأوجه، فمع جيل التسعينات نزلنا الى درجة أدنى من الخيبة والخذلان والأنكسار والتخلف وأنحسار الثقافة، وتردي الأخلاق0 فالكثير من خريجي الجامعات لهذا الجيل لا يجيدون كتابة الأملاء بشكل واضح وصحيح، حتى أن البعض منهم أن لم أكن قاسيا ومبالغا لا يجيد حتى القراءة بشكل صحيح!، ليس لأنهم تخرجوا من الكليات الأهلية، التي هي أساس وعنوان خراب التعليم في العراق وتدمير الأجيال فالنجاح بالكوترة!، وحتى بدون دوام وقد حصل الكثير من الطلاب على شهادة البكلوريوس وهم في البيت!، وعندما أجتاحتنا (جائحة كورونا)، زاد خرابنا التعليمي بكل مراحله، حيث أصبح التعليم عن بعد وعبر المنصات الألكترونية وبين الأهل وأجواء العائلة!!، ومع كل ذلك فغالبية الطلاب لم ينجحوا ألا بالغش والتدليس والرشا!!؟، وهي صورة وأنعكاس للفوضى والفساد العام الذي يضرب البلاد!0 ومع عيوب ونواقص وكل خيبات هذا الجيل جيل التسعينات ، ألا أننا بدأنا نترحم على هذا الجيل!!، ففيه برقة حياة وحياء وأمل بالثقافة والمعرفة ولو بأعداد قليلة جدا من أبناء هذا الجيل، عندما أوصلتنا حياتنا وأقدارنا وظروفنا التعيسة أن نحيا ونعيش مع جيل الألفينات!، الذي يمثل غالبية أبناءه التفاهة والتخلف الثقافي والمعرفي والسقوط الأخلافي والتربوي والأنساني والأجتماعي، جيل السناب جات والكافيهات الرخيصة والأبتذال والمخدرات والكبسلة والنركيلة والتكتك!، جيل تربى على الفصول والدكة العشائرية وسماع المهوال والنفاق العشائري، جيل تربى على كل أنواع الفساد والنفاق والوصول الى ما يريد بالغش والكذب والتدليس وبالواسطة العشائرية والطائفية!، جيل تربى على أن يأخذ حقه غن طريق العشيرة وبقوة السلاح!، فهو لا يتباهى بثقافة ومعرفة وعلم وعلوم بقدر ما يتباهى بأنتمائه الطائفي والعشائري!، فهم بحق جيل العار وجيل هزيمتنا المنكرة لأنه جيل الجهل والأمية بكل أمراضها وأفرازاتها، ولا عجب ولا عتب في ذلك فالرعية تقاس براعيها!0 والحيرة والخوف هو ما الذي ينتظرنا من أجيالنا اللاحقة؟، أذا كان هذا واقع أجيالنا الحالية!، ولكن كل الذي أتمناه أنه لا يأتي اليوم الذي نترحم فيه على جيل الألفينات؟؟!0 وهنا لا بد من أن نذكر بأن (آخر التقارير عن اتساع رقعة أنتشار المخدرات في البلاد بين الشباب أشارت، ومع الأسف بأن نصف الشباب العراقي يتعاطون المخدرات!)0 أقول لا لوم على كل هذه الأجيال التعيسة والمظلومة والتي نكبنا بها والتي نرى فيها صورة عذاباتنا وخيباتنا ودمار بلادنا وضياع وطننا وأنهيار أخلاقنا وموت أحلامنا وأمالنا، فاللوم كل اللوم هي على الحكومات التي قادت وتقود بلادنا ، فالحكومات الوطنية والشريفة والرشيدة والمخلصة والنزيهة هي من تربي الشعوب والأجيال0 وقد وجدت من المناسب هنا أن أنقل لكم المقطع الأخيرمن قصيدة الشاعر الكبير الراحل نزار قباني (هوامش على دفتر النكسة) والتي كتبها بعد نكسة حرب حزيران مع أسرائيل عام 1967 والتي تقطر ألما وحزنا ويأسا على ماجرى على الأمة العربية، فخيبات العرب واحدة وأن تعددت وجوهها وأختلفت0 ففي هذا المقطع يخاطب الشاعر نزار قباني الأطفال ويرى فيهم بأنهم جيل المستقبل جيل النماء والخصب والأمل والمستقبل بعد أن ضاع كل شيء!. يقول الشاعر: (( فنحن جيل القيء والزهري والسعال/ ونحن جيل الدجل والرقص على الحبال/ يا أيها الأطفال/ يا مطر الربيع يا سنابل الأمال/ أنتم بذور الخصب في حياتنا العقيمة/ وأنتم الجيل الذي سيهزم الهزيمة))0 أخيرا نقول: أن أرض العراق منذ فجر التاريخ هي أرض ولادة في كل شيء وخيرها كبير وكثير في الشجر والبشر، نعم وألف نعم، سيأتي هذا الجيل الواعد والموعود، لهذه الأرض المباركة من الله، وسيزيل عنا كل الهموم والخيبات ويزرع الخير والحياة من جديد بأذن الله، وكما قال الشاعر الكبير الجواهري، (سينهض من صميم اليأس جيل شديد البأس جبار عنيد)0

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب