يقول الشاعر
أرى مستقبل الأيام أولى بمطمح من يحاول أن يسودا
فما بلغ المقاصد غير ساعٍ يردد في غد نظراً سديدا
و شاعرنا الرصافي رحمه الله حاول من خلال أبياته إيصال فكرة بيسطة حول نظرة الإنسان لمستقبله، و الخطوات الأوائل في طريق النجاح. فما أشبه اليوم بلأمس. حيث كان الفقر ، إنعدام الثقافة المجتمعية و العلمية، تفشي أمراض العصر و غيرها من معوقات الحياة و التي لا زال المجتمع يعاني من ويلاتها. فبالرغم من جميع الظروف المحيطة بالمجتمع أيام شاعرنا رحمه الله، بيد إن عصره تمتع بصفوة من المبدعين في مجالات الأدب، الثقافة و العلم.
في عالم اليوم، و نحن نتوجه ذهاباً لمناطق أعمالنا، نشاهد في جانب منظراً يثير البهجة في النفس، فهذا الطالب و تلك الطالب المرتدين زيَهم المدرسي البسيط و يحملون على أكتافهم حقائبهم الدراسية متوجهين إلى مدارسهم و في أيديهم مناهجهم يراجعون عليها ما سهروا الليلة الماضية في حفظه. و في جانب آخر نرى النقيض من المنظر، و الذي لا يسر الرؤى، فهذا إبن السبعة أعوام و تلك إبنة الأربعة عشر ربيعاُ يتنقلون بين زجاج سيارة و أخرى منظفين، متناثرين، متراكظين بين السيارات و الباصات لحظة إشتعال إشارة المرور الخضراء طلباُ لأقل فئة متداولة من عملتنا المحلية العزيزة. تاركين ورائهم مستقبلا لا يعلم به إلا رب العزة. فمنهم من يعزو تغيبه عن الدراسة لضروف مادية و منهم و من يلقي بالآئمة على أساتذة اليوم و كِلا الطرفين مخطئ في حساباته و ما هي إلا أعذار أقنعوا بها أنفسهم لترك مقاعدهم الدراسية من دون أدنى فكرة عن العواقب الوخيم قصيرة أم طويلة الأمد. حيث لم يتبادر إلى أذهانهم ولو لوهلة أن العلم سلاح بيد المتعلم و إن الضروف هي التي تصنع من الإنسان قوياً و إن عواقب ترك العلم و التعلم على الأمد البعيد تعني إنشاء جيل بعيد عن الثقافة و التحَضر ينجرف مع أي تيار بسبب المادة أو العقيدة المتوارثة و هذا ما يشهده عالمنا اليوم من تشرد لأطفال و ضياع لمستقبل آلاف من شبابنا في تقاطعات إشارات المرور هذا يبيع المناديل الورقية و ذاك يتمشى بين السيارات مروجاً لبيع الشاي هذا للذي إرتئى كسب رزقه بعرق جبينه بعيدا عن اللجوء إلى طرق غير شرعية في الكسب السريع حيث لا رادع أخلاقي و لا رادع ديني يقف حائلاً بينه و بين وسائل تفنن بها المجتمع لأسرع كسب في أقصر مدة و دون النظر إلى آثر عمله على المجتمع و إنحراف القيم و العادات إلى الأسوء بعمل يقذف بالمجتمع إلى الهاوية.