مما لاشك فيه إن موضوع نشأة الإنسان بالشكل الصحيح بحاجة إلى خبرة كبيرة ودراية إذ لابد لنا من أن نجد ضالتنا بهذا المجال ، وهي كيف ننشأ جيلا صحيحا بإتباع أساليب تربوية سليمة فهذا الموضوع بحـر كبير لا يمكن أن نخوض غماره بسهولة ويسر بمجرد طرحه بمقالة أو كتاب أو أطروحة ، فهو يحتاج إلى دقة ومهارة ووقت طويل ، إذ أن أي خطأ ولو كان بسيطاً ممكن أن يؤدي إلى كارثة لا تحمد عقباها..لكن ممكن أن نمرعليه ببساطة من باب الفائدة والاطلاع ليعيننا على إصلاح ما فسد من أخلاق أولادنا ومحاولة تجنب مسبباتها قدر الامكان . إذ يجب أن يكون سلوك الفرد في تفاعله الاجتماعي قائما على احترام للقيم الأخلاقية والمثل الإنسانية التي تربط الأفراد فيما بينهم فيتحرك الفرد في الوسط الاجتماعي من موقع احترامه لنفسه وشخصيته واعتقاده بالقيم الاجتماعية لا من موقع عقدة وحاجة كامنة في اللاشعور ومثل هذا السلوك هو المطلوب وهو الذي يعتبر علامة على الصحة النفسية السليمة .
قال الإمام الصادق (ع):ـ ( ما من رجل تكبر أو تجبر إلا لذلة وجدها في نفسه ) لقد أصبحت هذه المسالة بعد الدراسات النفسية من المسلمات كالتجبر والعناد وغيرها من الأمراض النفسية ذات العلاقة الشديدة بتربية الإنسان ، فكلما كانت طفولته ضمن المسار الصحيح وتعويده على الثوابت السليمة والعناية به من كل الجوانب كان أفضل ، واهم شيء العناية النفسية فإنها تنعكس سلبا او إيجابا على الفرد أولا وعلى المجتمع ثانيا وبالنهاية يكون هذا المجتمع هو الوسط الراعي لتلك الشخصية والتي ستؤثر به بشكل مباشر من حيث صحة نشوءه فإذا نشأ ذا شخصية قوية أصبح المجتمع قويا بامتلاكه هذا العنصر الإيجابي الذي سيساهم ببناءه وارتقاءه مساهمة فعالة والعكس صحيح لذا وجب الابتعاد عن أسلوب التوعُّد أو التخويف بأمور مخيفة ، كالتأنيب المستمر والإشعار بالنقص والذنب بالنتيجة يتكون لديه ضمير شديد الحساسية يجعله يحاسب نفسه أو غيره على كل
صغيرةٍ و كبيرةٍ بتشدُّدٍ وانفعال ، وكذلك خوف من المحاسبة بما يؤدي إلى الامتناع أصلاً عن القيام بأي نشاط خوفاً من العقوبة أو التعنيف واللوم ، وعدم القدرة على المطالبة بحقوقه ، والخوف من إشباع الحاجات خوفاً من العواقب ، شخصية قلِقة متردِّدة، ينمو لديه شعور بالعجز عن مواجهة المواقف . فمن أبرز الطرق النافعة لإشباع الحاجة النفسية لدى المراهق تدريبه على قمع بعض الرغبات ، دون تخويفه ولا العطف الزائد عليه ، حتى لا يتحول العطف إلى تدليل ، وإشغاله بهوايات فنية يتقنها، ولا بُدَّ أن نعلِّم المراهق تحديدا إنَّ الحياة ليست كلها مباهج ومسرَّات ، وأنه يجب عليه أن يتعوَّد الصبر واحتمال المكاره فيُحِسَّ بقيمته ويرتقي بمركزه الاجتماعي.. ونربيه على تحمُّل شظف العيش فلا نترفَّه في تلبية طلباته جميعاً حسنها وسيئها ، فينشأ وقد عرف الجهد والعمل لان المراهقة مرحلة خطرة جدا وهي محطة انتقال مهمة من الطفولة إلى الشباب فلابد أن نزرع قيم وأساسيات تنمو مستقبلا وتزهر لأنه تعود بمرحلة الطفولة على أسلوب خاص ولابد من التمهيد للخروج منه إلى أسلوب آخر يعلمه التهيؤ لمرحلة الرجولة وتحمل المسؤولية مستقبلا وأخيراً نقول :
إنَّ المسؤولية ليست مسؤولية الدولة فحسب وإن كان يقع عليها العبء الأكبر ، ولكنها مسؤولية مشتركة بين الجميع لإنجاح التعامل مع المراهقين ، وهو ليس أمر الوالدين أو الأسرة فقط بل كل العائلة والأقارب ، بل الحي والقرية ، والمدرسة والمرافق العامة والمؤسسات المختلفة في الدولة . إذ إنَّ ما يتم بناؤه في البيت قد يُهدَم في الشارع أو المدرسة أو أمام شاشة التلفاز…وغيرها كثير من الوسائل الاخرى المتوفرة حاليا بسبب التقدم التكنلوجي السريع . إنَّ المقصود أن يعرف كلٌ مِنّا دوره وأن يتذكر أنّ هؤلاء أبنائنا وهم قطعةٌ مِنَّا ، وأنَّ بنائهم بناءاً قوياً متيناً يعتبر نجاحاً لنا واستمراراً لعطائنا في المستقبل ، وبِذا نخاطب: الوالدين ، الأخوان والأخوات ، جميع الأقارب ، المدرِّسون والمدرسات والإعلاميون والتربويون عموماً ثم الدولة في أعلى قمتها وكل من كان في موقع المسؤولية في أيِّ مجال ، أن اتقوا الله ، وقوموا بما يمليه عليكم دينكم وأحسِنوا معاملة أولادكم لتكونوا سبباً في إصلاحهم فتسعد بهم البلاد والعباد ، وتؤجرون على ذلك إنْ شاء الله تعالى .