18 ديسمبر، 2024 8:46 م

أثر التشريب على مسرح الكواليس

أثر التشريب على مسرح الكواليس

هل الجمهور المسرحي اليوم يجد من يمثله ؟, لأنني وجدت ممثل صامت وممثل لمسرح خيال الظل وراقص لا ممثل ومسرح رقمي ومسرح ظل رقمي ومسرح تمثل فيه الاضاءة ومسرح تمثل فيه الموسيقى ومسرح بلا ممثل ومسرح بلا رابط لمشاهد المسرحية فكل مشهد يتم في غرفة وعليك انت الجمهور ان تربطها حسب ما ترى ومسرح بلا مسرح حيث الشارع مكانه وثلاث ارباع الصوت صراخ او لا تسمعه وتسعين بالمئة من المشهد لا تتمكن من ايجاد ثغرة من بين المتجمهرين وليس الجمهور لكي تتابع العرض المسرحي المفترض وكثير الكثير من التجارب المسرحية التي لا يمكن حصرها ربما الا في محاولة السؤال المتواضع اعلاه.

يعد ستانسلافسكي أول مجرب في فن التمثيل لم تكتمل تجربته كباقي المجربين, سيرتاح الكثير لهذه المقدمة التي تبجل لا بل تطبل بنفس ايقاع واقع البحث الاكاديمي والنقد الفني المسرحي, فما ان تقول ستانسلافسكي حتى تفتح لك الآذان صاغية لطرب انغام لحنك الغير مخالف لثوابت اركان فن المسرح النظري, لكن ستانسلافسكي يقول فعلا في كتابه فن المسرح انه ومايرهولد قد واجهوا مشكلة انخفاض مستوى السقف الذي يعتلي خشبة استوديو الممثل مما جعلهم يفكرون بأن يكون مكان الجمهور على الخشبة حيث والجمهور جالس لن يضرب برأسه السقف, اما الممثل فسيرتاح حينما يكون السقف بعيدا عن رأسه وهو يقدم دوره في الصالة, ولأنه استوديو تجريبي فكان سهلا على ما يبدوا ان ينقل ستانسلافسكي الكراسي على الخشبة, ولم يذكر اكثر من ذلك, لكنه بهذا اصبح مجربا ومن فعل ذلك بعده اصبح بنظر محبي ستانسلافسكي مخربا, ومن هذا المطلع نبدأ اغنية حزينة لموضوع نقاشنا الحالي, حيث التجريب اصبح اقرب للتشريب وهي الاكلة العراقية التي يتم تقطيع الخبز لتحضيرها الى قطع صغيرة وتغمس جميعا في صحن مليء بالشوربة, فتذهب ملامح قطع الخبز في تماهي لا يمكن معه تحديد الفرق فيما بينها, للدرجة التي تكاد تكون كلها متشابهة, ولا ضير في حال كونها جميعا ستتعرض للآكل, ان تكون متشابهة الشكل والطعم والرائحة, لتعبر اخيرا عن هوية التشريب كوجبة احتفالية تجمع من حولها المحتفلين بمناسبة او اخرى, الا ان واقع المسرح مع اليوم قد لا يختلف مع وجود الاختلاف ما بين المسرحيين كقطع الخبز ما قبل الشوربة, فما ان يسكب التجريب على العروض المسرحية واذا بها اقتربت من حال قطع الخبز بعد سكب الشوربة, وكأن التجريب وجبة تشريب.

ان للكواليس نكهة الظلام حيث تتلون بالسواد المتباين تلك الوجوه المرتدية لاقنعة الشخصيات في تمازج مع الفنيين ليحتمي الجميع بحصن الكالوس من الجمهور, هي ميناء آمن لكل سفينة اداء لم تستعد لبحر الجمهور المتلون المزاج, الغير مضمون التقبل, لرض مسرحي, فترى في عمق الكواليس انتشار خوف من الفشل, وتشعر بقمة الرعب لو كنت فعلا اعتبرت الجمهور الد اعداءك, مع ان كسب الجمهور مهمة عتيقة التصقت بمهنة الممثل لتضمن دوامها, ولعل الوصف مبالغ فيه عند القول بأن الافر اكتين ليس الا طلبا من الممثل للخلاص من لحظات وجوده غير المريحة على الخشبة في مواجهة الجمهور, علما ان وجوده قد يكون اقل توترا للطرفين لو كان امام الجمهور وليس لأجله أو بتخيل عدم وجوده أي الجمهور كما يؤكد تكنيك ميسنر, فالحل ان تواجه واقع وجودك كممثل امام الجمهور, بالتالي ليست الكواليس ببعيدة عن فكر الممثل مع الاسف حينما يحن اليها بتخيل عدم وجود الجمهور, او حينما يهم مسرعا برمي دوره على الجمهور وكأنه حمال تنص مهنته على ملىء مركب مغادر, فالجمهور لن يغادرك لا في اداءك ولا بعده ولا في الاداء القادم, ان لم تغادر فكرة التحدي بينك وبينه, والتي ولدت الخوف من الخشبة وتفضيل الكواليس خشبة.

على صعيد التمثيل وهذا الاهم في فن المسرح بما يمكن ان يوصف به من فن مباشرة الاداء بين ممثل وجمهور, لا يتمكن المتابع للتجارب من ايجاد مسرحية واحدة يمكن اعادتها وتحظى بجمهور المحتفلين الذي يأتي في عرض الافتتاح عادة, بل وتموت فكرة انها للنخبة حينما تعرض على الانترنيت ويكون عدد النخبة اللذين سجلوا ارقام لمشاهدتها اقل من عرض الافتتاح الذي يتضمن بالضرورة صديق وقريب الخ, فما الذي يحدث فعلا؟, ان موت المسرح واعلاء شأن الكواليس يعد من تراكمات موت الممثل الذي لو وجد لكانت الكواليس محطات استراحة اكثر منها خشبة يطل منها ممثل اخرس مضيع الهوية ومختبئ تحت وصف الصامت, ولكثرة ما صمت الممثل في هذه التجارب اصبح اخرسا فعلا, وولد لنا جمهورا اخرس بالضرورة, فلما لا تجد من يمثلك على الخشبة تكون شعبا بلا مثال تقدمه الثقافة والادب والفن, بالتالي لا يمكن للمسرح ان يكون بعيدا عن التدهور في بناء هوية مواطن يبحث عن تأكيد الهوية اكثر منه بحثا عن التشكيك بها, فحينما يكون للثقافة هوية حينها يمكن السؤال عن المستقبل.