18 ديسمبر، 2024 10:01 م

أتقع المسؤولية على القرآن أم على قراءة وفهم القرآن 2/2

أتقع المسؤولية على القرآن أم على قراءة وفهم القرآن 2/2

ثم كان، أي مؤسس الإسلام، هو الذي جعل الإسلام يؤوَّل إلى ما يتعارض مع بعضه البعض، إلى ما يقترب من التناقض أحيانا، وذلك بقصد، أو من غير قصد، أو من غير قصد ابتداءً، وبقصد انتهاءً، وذلك بسبب بشريته غير المعصومة، أو نوازع ذاتية متنازعة في دواخله. ومن هنا فهو مع فرض أنه أحدث هذا التعارض في البدء من غير قصد، عندما اكتشف أن القرآن قد اشتمل على مثل هذا التعارض، فحاول أن يوجد مخرجا لهذا المأزق القرآني، وذلك عبر الناسخ والمنسوخ تارة، أو عبر المُحكَم والمُتشابِه تارة أخرى، وجعل فهم وتأويل المتشابه حكرا على الله، والراسخين في العلم، حسب القراءة المعتمدة عند الشيعة، ولعله المعتزلة، بينما قرأ السنة الآية بوضع وقف لازم بعد عبارة «وَلا يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا الله»، فجعلوا علم تأويل متشابهات القرآن حكرا على الله، وهذا نفي ضمني لحكمة الله، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، من حيث لا يعي ذلك النافون، بدعوى أنه أنزل، في بعض ما أنزل، لغوا، لأن مخاطبة البشر بما لم يفهموه، ولا يفهمونه، ولن يفهموه، إذ لا يعرف معناه إلا هو؛ هذه المخاطبة لا يمكن أن تكون إلا لغوا، تعالى الله عن ذلك. فالآية بنصها الكامل: «هُوَ الَّذي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتابَ، مِنهُ آياتٌ مُّحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ، وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، فَأَمّا الَّذينَ في قُلوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ وَابتِغاءَ تَأويلِهِ، وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخونَ فِي العِلمِ؛ يَقولونَ آمَنّا بِهِ، كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا، وَما يَذَّكَّرُ إِلّا أُلُو الألبابِ». فقرأ الشيعة المقطع الأخير من الآية: «وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخونَ فِي العِلمِ؛ يَقولونَ [أي هؤلاء الراسخون في العلم العالمون بتأويله] آمَنّا بِهِ، كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا …». بينما قرأها السنة «وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلاَّ اللّهُ. [علامة وقف لازم تتبعه جملة جديدة، معطوفة على سابقتها، لكن منقطعة عنها، بقول:] وَالرّاسِخونَ فِي العِلمِ يَقولونَ آمَنّا بِهِ، كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا …». فحتى هذه الآية التي تتحدث عن ظاهرة وجود المحكَم، الذي لا يحتمل إلا معنىً واحدا، والمتشابِه، الذي يحتمل أكثر من معنى، جُعِلَت نفسُها من المتشابهات، من حيث صحة القراءتين، من حيث اللغة، وبالتالي فهمها على نحوين، تارة بجعل العلم بالتأويل حكرا على الله وحده، وتارة عليه تعالى، وعلى الراسخين في العلم، المؤمنين به، وبكونه جميعا من عند الله.

وهنا يطرح سؤال نفسه، ألا هو بما أن الله سبحانه وتعالى متصف، فيما هو متصف به من كل الكمالات المطلقة، بكمالين على نحو الإطلاق واللامحدودية، ألا هما الحكمة واللطف، أفلا يتعارض مع حكمته ومع لطفه بعباده أن يبعث لهم كتابا يحتمل الكثير من نصوصه أكثر من معنى، يصل التفاوت بينها أحيانا إلى حد التناقض، أو يفهم بعضها بما يتقاطع بشكل حاد مع العقل الفلسفي، ومع العدل الإلهي، أو الرحمة الإلهية، أو الحكمة الإلهية، أو اللطف الإلهي؟ هذا سؤال يحتاج إلى إجابة. أفتنزيه الله أهم، أم تنزيه ما يحتمل أنه كتاب الله؟ مع إن وجود الله وتنزُّهه يقيني، كونه واجبا عقليا، بالنسبة للإلهيين العقليين على الأقل، بينما صدور الكتاب غير المُنزِّه له تعالى – ولو ظاهرا، أو بحسب بعض تأويلاته الممكنة لغويا، الممتنعة فلسفيا – في كثير من نصوصه، هو صدور ظني، لأنه ممكن عقلي، لكن لا يقوى على إعطاء إجابات تليق بجلال الله وجماله وكماله.

ثم من القرآن والسنة يمكن استنباط إسلام شيعي وآخر سني، إسلام متطرف وآخر معتدل، إسلام لاإنساني وآخر إنساني، إسلام عقلاني ولآخر خرافي، إسلام مسالم وآخر داع إلى القتل والقتال.