23 ديسمبر، 2024 12:51 م

أتفاق لوزان بين وجهتي نظر أميركية وإسرائيلية

أتفاق لوزان بين وجهتي نظر أميركية وإسرائيلية

لقد وصف الرئيس اوباما اتفاق لوزان الإطاري بين ايران والغرب بالتاريخي ، قابله وصف اسرائيلي وعلى لسان رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو بأنه اتفاق سيء. والمتتبع لمجريات الاحداث في الشرق الاوسط يستنتج أن كلا الطرفين على جادة الصواب في رأيه، فهذا الاتفاق سوف يُغير من مكانة ايران الاستراتيجية لكن يقابل ذلك تباطؤ مؤقت في تقدم البرنامج النووي ، وهذا تعده الادارة الاميركية مكسبا كبيرا ومن هذه الناحية فهو اتفاق تاريخي. أما من وجهة نظر حكومة نتنياهو فأن الاتفاق سيعطي ايران مكانة رسمية كدولة عظمى اقليمياً ، وسيعطيها موافقة مبدئية كدولة نووية جديدة في المنطقة لذا فهو اتفاق سيء من هذه الناحية. لقد غيرت الولايات المتحدة من سياستها خلال المفاوضات وانتقلت من المطالبة بتجريد ايران من قدراتها لإنتاج السلاح النووي الى تفاوض حول تقييد القدرات واسلوب الاشراف عليها وعلى الفترة الزمنية للرقابة والقيود التي سُتفرض على ايران. فالاتفاق يشير بصورة واضحة الى أن الولايات المتحدة سلمت فعليا بكون ايران في المستقبل ستكون دولة ذات قدرات نووية عسكرية، وأنه في نهاية فترة الاتفاق لن يكون هناك أي سبيل لوقف ايران عن تحقيق هذه الامكانية. ومن خلال متابعة التحليلات اليومية تبرز ثلاثة احتمالات مستقبلية بخصوص هذا الاتفاق وسبل تطبيقه. الاول، أن يلتزم الايرانيون أو يتنازلوا بارادتهم عن الخيار المُعطى لهم في نهاية مدة الاتفاق ولا يقوموا بانتاج السلاح النووي. أما الاحتمال الثاني، التزام ايران باخلاص وبحرص في أكمال فترة الاتفاق مستغلين تلك الفترة في بناء اقتصادهم وتعزيز مكانتهم الاقليمية وتعميق خبرتهم النووية ، وبعد نهاية مدة الاتفاق وعندما ستصبح ذا قوة اكبر ستقرر عندها الاستمرار بالبرنامج النووي العسكري من عدمه. والاحتمال الثالث، أن ينتظر الايرانيون الساعة المناسبة ويخرقون الاتفاق ، وهذا الاحتمال هو الأرجح حصولاً من وجهة نظر اسرائيلية متخيلين ان ايران ستقوم بذلك بعد رفع العقوبات عنها وبعد أن تستثمر دول كثيرة في ايران وتكون لها مصالح كبيرة فيها ، لذا عدم المس بشريكها الاقتصادي المهم سيشكل عقبة قوية أمام أية نوايا أو أفعال اسرائيلية. وفي ظل المعرفة الجيدة والقراءة الدقيقة للعقلية الفارسية اعتقد أن ايران سوف لن تغير من سياستها الطموحة ولن تبتعد عن أحلامها النووية ، فالاتفاق سيؤدي في المدى المتوسط الى تعزيز رغبة ايران في تحقيق طموحها الذي أستمد جزءاً كبيرا ًمن شرعيته في لوزان. وإن عدم الفهم العميق للسياسة الايرانية يمكن أن يؤدي الى استنتاجات خاطئة من قبل الغرب حول الاتفاق الذي أعتقد في النهاية أنه سيفسح المجال لولادة ايران النووية ، عندها سيظطر الغرب الى تغيير قواعد اللعب في المنطقة. ان وجهة النظر الاميركية تلخصت في ان الاقدام على توجيه اية ضربات عسكرية للمنشآت النووية الايرانية سيؤدي الى تأجيل قصير جداً كي تحقق ايران حلمها في الحصول على القنبلة النووية وسيصبح المجتمع الدولي في حينها مُذعنا للقبول بتلك الحقيقة ، ومن وجهة

نظر اسرائيلية أن هذا الرأي خاطيء، والخطأ ينبع من أن الحسابات الامريكية التي تبدو أنها مهنية، هي حسابات تقنية فقط. فالرأي الاميركي لا يأخذ في الحسبان تأثير الهجوم الناجح على استعداد النظام الايراني لإعادة الاستثمار في المشروع الذي بالامكان تدميره في بضع ليالٍ (هذا هو الوقت الكافي للولايات المتحدة كي تستطيع تدمير المنشآت النووية الايرانية بحسب أراء المختصين). وان ايران الواقعة تحت عقوبات شديدة ، لم تكن لتفكر بالعودة الى المشروع النووي فيما لو كان قد دُمر في القصف الامريكي. وتذهب وجهة النظر الاسرائيلية الى أن قدرة ايران على الرد على عملية عسكرية كهذه باستثناء استخدامها لحزب الله، تعتبرمحدودة جدا،. وإن الضربات العسكرية الامريكية كانت ستعطي تأجيلا أطول بكثير من مجرد سنوات معدودة، ولكن اسرائيل تفهم لماذا اميركا غير مستعدة لأن تتحمل المخاطر الموجودة في عملية عسكرية ، الحقيقة يجب أن تقال بأن الولايات المتحدة تستطيع أن توقف بالقوة المشروع النووي الايراني لكنها لا تريد. فالادعاء الاميركي أنه استنادا للاتفاق سيكون هناك ما يكفي من الوقت لتعقب الخروقات الايرانية والرد عليها، لا يستند الى أساس قوي. فالايرانيون ليسوا أغبياء وهم لن يخرقوا بصورة واضحة ومكشوفة ما تم الاتفاق عليه. فسوف يعملون بصورة تُمكنهم من التقدم نحو حلم الوصول الى القنبلة .وفي ظل هذه الاجواء الضبابية فسوف لن يسارع أحد الى الاعلان أن الاتفاق قد فشل ، الى حين وضوح الامر وحينذاك لن يكون بالامكان اعادة العقوبات الدولية، وكل اسباب عدم المباشرة بالهجوم ستكون أقوى. إن الهدف الذي وضعته الولايات المتحدة لنفسها خلال سنة التقييم هو تعقب الخروقات، وفهم ماذا يفعل الايرانيون. فالايرانيون أذكى من أن يخطئوا خطأ كبيرا في هذا المجال. إنهم يقومون بذلك منذ عشرين سنة. وبعد الاتفاق سيكون من الأسهل عليهم خداع الغرب، عندها ستتحمل اميركا مرارة شراء الاكاذيب الايرانية بدلا من الاعتراف بخطأ تاريخي ستراتيجي والقيام بعملية عسكرية. وهنا أخالف الرأي الاميركي القائل ان اتفاق لوزان سيعمل على جعل المنطقة أكثر هدوءاً وإستقراراً فالمخاوف ستزداد في الشرق الاوسط وان حملة لواء هذه المخاوف ستكون دول المحور السني ، وأن الاتفاق سيؤدي في المدى المتوسط الى سباق تسلح نووي في كل الشرق الاوسط يسبقه سلوك عدائي أعنف تجاه إيران وحلفائها ( بعض الاحزاب السياسية الشيعية في العراق وحزب الله والحوثيين وبشار الاسد وحماس) وهذا ما نلمسه اليوم . أما على المدى البعيد فمن شأن نتائج الاتفاق أن تؤدي الى انهيار ما بقي من الاستقرار في المنطقة ( دول الخليج ليست بمعزل عن الانهياربسبب غباءها السياسي) فالصراع الشيعي – السني سيأخذ أبعادا جديدة ، وستكون المنطقة عنيفة أكثر وعندما تحين الساعة المناسبة ستحاول ايران تحقيق تفوقها الاقليمي ومسك مفاتيح نفوذها في المنطقة الذي وضعتها الولايات المتحدة في يدها بمعرفتها المسبقة. فالاتفاق الذي تبلور سيُمكن ايران من البدء في العمل بسهولة أكثر لاعداد سلاح نووي لما بعد العشر سنوات، وسيكون الثمن هو الاعتراف بايران نووية في المستقبل. وهذا الثمن غير قابل للدفع من جهة اسرائيل ودول اخرى في المنطقة ، لكن البدائل لتلك الدول ستكون صعبة ومحدودة جدا ، وعليها ان تتعايش مع الواقع النووي الجديد في المنطقة والاستعداد لتقبل فكرة ايران نووية تتسيد الشرق الاوسط.