يبدو واضحاً لجميع المتابعين، إن شهر نيسان الحالي، قد شهد حراكاً سياسياً تبنته الإدارة الامريكية، وبعدّة أتجاهات، أقليمياً ودولياً ، والهدف هو السعي لأنضاج مناخ أقليمي ودولي، يهيّأ ألارضية المناسبة لاتمام صفقة توقيع أتفاق إيران النووي مع دول 5+1،فمن نيويورك الى الرياض الى بروكسل الى طهران وفيينا،فهذه العواصم والمدن قد شهدت لقاءات ومؤتمرات ورسائل سرية وعلنية، وإشاعات كُثر وتفائل وغموض كبير ،وجميع هذه التحركات تدور بفلك الوصول الى حل سريع للملف النووي الإيراني ،وأخر هذه التحركات والمؤتمرات واللقاءات، هي التي تعقد اليوم بمؤتمر فيينا ،والاجواء العامة لهذه الاجتماعات ، توحي بشيء من الغموض حول ما يجري خلف الأبواب المغلقة،ففي حين إنّ طهران تتحدث عن إنّ 95%من الملفات التقنية قد تم الاتفاق على تفاصيلها ،تخرج واشنطن لتؤكد الرواية الإيرانية ،تطابق التصريحات الإيرانية – الأمريكية، يعطي دلالات واضحة على إنّ هناك مؤشرات توحي بمشروع توقيع أتفاق مبكر ترعاه ادارة بايدن، بخصوص الملف النووي الإيراني،وتعويض أي نقص بأمداد الطاقة النفطية الروسية عبر البوابة الإيرانية،ولكن وعلى الرغم من كل هذه المؤشرات الايجابية والتفاؤل المفرط ،بقرب التوقيع على الأتفاق النووي الإيراني ، لابد هنا من تسليط الضوء على جملة معيقات قد تعطل قرب الوصول لهذا الأتفاق .
فاليوم هناك حراك داخلي واضح بواشنطن ، يقوده جمهوريو الكونغرس بالشراكة مع اللوبي الصهيوني، يهدف لتعطيل أي مسار لإدراة بايدن، يذهب بأتجاه توقيع أتفاق مبكر مع الإيرانيين بخصوص ملفهم النووي،حراك واشنطن الداخلي المعارض لتوقيع مبكر لاتفاق نووي مع الإيرانيين، تزامن مع رسائل إعلامية بعث بها جمهوريو الكونغرس الى الإيرانيين، تُحذّرهم بمضمونها من إنّ أي اتفاق نووي مع امريكا، ستننتهي شرعيته بأنتهاء شرعية الرئيس الامريكي بايدن ، بالإضافة الى هذا الطرح، فقد شهدت مجموعة من وسائل الإعلام الامريكية مؤخراً، حملة شرسة تعارض توقيع أمريكي مبكر لأتفاق مع الإيرانيين بخصوص ملفهم النووي ،وهذا مايؤكد وجود حملة ممنهجة بالداخل الامريكي تسعى وبقوة لثني الإدارة الامريكية عن مسعاها، بتوقيع أتفاق إيران النووي مبكراً .
حراك واشنطن الداخلي المعارض لتوقيع مبكر مع الإيرانيين، بخصوص ملفهم النووي ،هو صدى لمعارضة غرب أوروبية وخصوصاً فرنسية معارضة وبشدّة ومن خلف الكواليس للتوقيع المبكر مع الإيرانيين، بخصوص ملفهم النووي ،هذه المعارضة الداخلية بواشنطن والتي هي صدى للمعارضة الغرب اوروبية ،يرافقها كذلك تصعيد غير مسبوق من حلفاء واشنطن بالأقليم، للتنديد بموقف الإدارة الامريكية الساعية لقلب الطاولة على جميع حلفائها بالاقليم من خلال توقيع مبكر للاتفاق النووي مع الإيرانيين ،هكذا يتحدث حلفاء واشنطن ..على الأقل في الكيان الصهيوني «أسرائيل «، وبالرياض ،فرغم رسائل الطمآنة التي بعث بها مبعوثي بايدن لدول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً ،يبدو واضحاً إن الخليجيين وخصوصاً السعوديين منهم، لم يقتنعوا بصدق النوايا الامريكية .. هكذا يتحدثون وبالعلن ويضيفون بأنهم وباليوم التالي لتوقيع اتفاق إيران النووي مع الغرب، سيكونون مجبرين على فتح الباب على مصراعيه امام سباق تسلح نووي بالأقليم والمنطقة ككل .
وبالانتقال الى إيران وهي الشريك المعني بالاتفاق النووي ،فاليوم هناك بالداخل الإيراني قوى محافظة، تعارض بشكلٍ كلّي مسار هذه التفاهمات مع الغرب ،لأنها ترى بأن البرنامج النووي الإيراني هو شأن داخلي إيراني ويعمل ضمن منظومة سلمية، فهم يتسائلون ولهم احقية التساؤل.. فما علاقة الغرب ببرنامج إيران النووي السلمي؟،ولماذا يساوم الإيرانيون الآخرين على حقوقهم المشروعة ؟،ولماذا لا يتعامل الغرب مع الكيان الصهيوني الذي يملك ترسانة عسكرية نووية تتمثل ب290 رأساً نووياً ..على الأقل كما يتعامل مع الإيرانيين ؟؟،تسائلات القوى المحافظة بالداخل الإيراني الواردة أعلاه ،شكّلت بالفترة الأخيرة عامل ضغط على فريق التفاوض الإيراني ،فاليوم هناك الكثير من الأصوات المؤثرة بدأت ترتفع بالداخل الإيراني، تعارض بشكلٍ قاطع تقديم أي تنازلات تقنية أو سياسية من الدولة الإيرانية للغرب ، مقابل التوافق على حل سريع لملف إيران النووي مع الغرب .
هذه المؤشرات بمجملها والواردة من اكثر من أتجاه .. من الطبيعي أن تشكل عامل ضغط على صنّاع ومتخذي القرار، المعنيين بشكلٍ رئيسي بالتوصل الى اتفاق حول ملف إيراني النووي ، فالإدارة الامريكية اليوم، تتعرض لجملة ضغوط داخلية وخارجية، تستهدف ثنيها عن توقيع مبكر لاتفاق مع الإيرانيين بخصوص ملفهم النووي ،كما إن المفاوض الإيراني مع الغرب بدأ يدرك بشكلٍ واضح إن المناخ الاقليمي والدولي والداخلي الإيراني بالتحديد، لايساعد على تهيئة الارضية المناسبة لأتمام مسار ينتهي بتوقيعٍ مبكر لأتفاق إيران النووي مع الغرب ،فاليوم الإدراة الامريكية لاترغب بخسارة حلفائها بالمنطقة وبالخليج، وخصوصاً السعوديين الذين تجمعهم بواشنطن علاقة شراكة أستراتيجية تزيد على سبعة عقود من الزمن،بنى جسورها الملك السعودي الراحل عبد العزيز أل سعود، والرئيس الامريكي روزفلت ،كما إن الإدراة الامريكية لاتريد أن تدخل بمناكفات طويلة مع جمهوريي الكونغرس الداعمين لموقف الكيان الصهيوني ،والمعارض وبقوة لتوقيع اتفاق غربي بالمطلق مع إيران بخصوص ملفها النووي .
ختاماً ،يبدو إن جميع المؤشرات تذهب بأتجاه تأجيل توقيع قوى 5+1 للاتفاق النووي مع الإيرانيين لشهور ثلاثة مقبلة على الأقل ،فالمؤشرات بمجملها والواردة من جميع الاطراف المعنية والمتأثرة كما تدعي من آثار هذا الاتفاق ،تؤشر بشكل متزايد على أحتمالات وتكهنات بدأت تطفو من جديد الى السطح، تؤكد الى حد ما عدم وجود أرضية ومناخ دولي وأقليمي بهذه المرحلة تحديداً، يهيّأ المناخ الدولي والاقليمي المضطرب بشكلٍ عام لقبول تداعيات وأبعاد هذا ألاتفاق بهذه المرحلة تحديداً،ومع ذلك سننتظر القادم من الأيام ليعطينا مزيداً من الإجابات التي ستؤكد أو تنفي كل هذه المعطيات المذكورة أعلاه ،تزامناً مع وجود خشية غربية وأقليمية من حماقة قد يرتكبها ساسة وجنرالات الكيان الصهيوني وبتحريض ودعم من بعض القوى بالأقليم، بالذهاب نحو عمل عسكري ضد المصالح النووية بإيران، قد تقلب الطاولة على الجميع، وتدخل المنطقة والاقليم بدوامة صراع لاحدود زمانية ولامكانية له.