23 نوفمبر، 2024 12:59 ص
Search
Close this search box.

أتصالية الخاتم والمنديل / دلع المفتي في روايتها (رائحة التانغو)..

أتصالية الخاتم والمنديل / دلع المفتي في روايتها (رائحة التانغو)..

رواية من طابقين : الارضي دولة الكويت والعلوي : بيروت ..مساحة الطابق الارضي 119 صفحة من المطبوع ومن ص120 الى180 نكون في سوريا من خلال بيروت اعني مع السوريين اللاجئين بسبب الحرب…في هذه الرواية نحن امام اتصاليات : الواحد / الكثرة ،بدءاً من العنوان الصادم الذي يعلن رائحة للتانغو..وحين يبحث القارىء عن هذه الرائحة ، ستصدمه رائحة العنوان الفرعي الاول (بصل) ثم يغمره بسخونته واحمراره العنوان الاخير في الرواية (دم) ..بين البصل والدم ، تتنقل فراشة القراءة بين العنوانات الفرعية التالية :(Baby oil، ليمون، دهن العود، نعناع، بخور، دهن الورد، زعفران، شاي اخضر، ياسمين ، بدون رائحة ، ماء الزهر، عرق، ليليوم، زعتر، سيجار، فلافل)..والكثرة سنجدها ايضا في تنويعات الحكي :

* شخصية حميد الذي هو رجل ونصف امراة..(كان طفلا جميلا ،لكنه لم ينم بالشكل الكافي ليصبح رجلا ولم يتدور بالشكل الكافي ليصبح امراة ، فاصبح منبوذاً من الجنسين ../30)

* حكاية (سعاد) فهي وعائلتها مصنّفة : بدون./111) وحسب سعاد المجردة من حقوق المواطنة..(نحن نعيش كرهائن)

* ماساة حسيبة وزوجها عطية بواب العمارة ظاهرها الخوف من زوجها الذي هددها اذا حملت وباطنها سيعلن في نهاية الرواية كخبر صحفي..(الزوج اكتشف خيانة زوجته مع الكاتب المعروف خليفة احمد ../177)..

* تتطرق الرواية لمايجري في سوريا بشهادة سوريين هربوا من جحيم المعارك وستدعمهم الشخصية الرئيسة في الرواية (زهرة) وتقيم معرضا لرسومات اطفال سوريين نجوا سهوا من المعارك وتجعل ريع المعرض لأطفال سوريا ومن جراء ذلك تأتيها مكالمة يابسة من امراة سوريّة..(..أحذرك اعتقد بانك ضحية فانت لاتعرفين مع من تتعاملين ،فهذه الجمعية التي تشتركين معها لجمع التبرعات هي اكبر ممّول للأسلحة في سوريا../119)

(*)

*زهرة من طابقين :

(1) أمها وأخواتها

(2) زوجها

فصل (دهن العود) يتناول زهرة عبر اخواتها وامها ونكون هنا امام حكايتين : اسرى الكويت ومنهم شقيقها جاسم الذي ..(عاد بعض من رفاقه على ارجلهم والبعض في صناديق لكن جاسم لم يعد .واعتبر كما الكثيرون من ابناء الكويت من المفقودين../42) والرواية بين قوسيّ ام جاسم ،على شاشة الصفحة الاولى غير المرقمّة من المطبوع يبث لنا السارد العليم الصورة الصوتية التالية كقارىء منتج سألتقط

هذه العينة .. (تبدو أم جاسم كانها تستجدي موتاً لايأتي تترقبه بشوق لم يبق عضو سليم في جسدها الهرم، ولم يعتذر مرض عن زيارتها والاقامة عندها : السكري، ارتفاع ضغط الدم ،ترقق العظام، قرحة المعدة، والاصعب عتامة عدسة العين وبداية الزهايمر.) وفي الصفحة الاخيرة من المطبوع..تحضر ام جاسم بصيغة (رائحة دهن العود،تهدأ روحي . سحابة من عطر ترفعني .اشم عطر أمي اتشمم رقبتها ../189)

(*)

بيت اهل زهرة مجبول من تشدد أصولي وعتمة ستائر وذلك المحذوف والمدون في الصفحات الاخيرة من الرواية..(وصلت بيت اهلها الصغير .كمن يمشي داخل حقل الغام تمشي بحذر،دلفت الى الداخل لتصفعها العتمة الباهرة في جنبات المكان .أنقبض قلبها هي ذاتها العتمة التي كان يضيق بها صدرها وتكتم انفاسها في شبابها../40) ..وستزرع زهرة قنبلة موقوتة في زيارتها لأمها..(آخ يا امي لو استطيع أن أحكي لك عن جاسم؟ هل يمكنني ان أنكأ جروحك وأذرها بالملح ؟ هل استطيع ان أذبحك مرتين ؟ إن كان حيّا فهو في الأسر وإن كان ميتا ،هل يمكن ان يكون حيّا عند ربه بعد كل مافعله؟…/43) لكن هذه القنبلة ستتظى لدى متلقي النص وحده، وسرد هذا النص جهويا يختلف..وكأنه يستأنف ما اقتطعته ُ قراءتي من ص43..(قرأتم كل ماسرده الراوي عني ، لكن الحقيقة تقول لااحد يمكنه فتح صناديق أسرار الغير كاملة، فمهما كان عارفا بي لن يستطيع ان يخبركم عني كما سافعل أنا../179) لنكتشف ان البيتين (كلاهما كان ينضح بشاعة) لكن الابشع وبشهادة زهرة ما(يقترفه أخي في فراشي../ 179) ..

(*)

سوريا : موجودة في النص من خلال ذلك المعرض للأطفال في الكويت وكذلك من خلال نادية شقيقة زهرة المنضوية في تنظيم نسوي متشدد ،تقوده امرأة..(قيل إنها جماعة دعوية بدأت في سوريا على يد سيدة ، ثم انتشرت الدعوة في باقي الدول العربية إلاّ ان مايميّزها عن غيرها من الجماعات هو تعلق المريدات بالمربية او الشيخة أو الانسة كما يسمونها، الى درجة تقديسها، كما يقول البعض ،لأعتقادهم أنها موحى إليها وملهمة من شدة الوصل بالله…/48)..وزهرة التي كانت تسخر وتتهكم من اختها نادية ومن صديقة اختها (ستكون في يوم ما تحت ظل الانسة..)

(*)

في بيروت سنرى سوريا بصيغة لاجئين ..بلا مأوى كما هو الحال مع علي بائع الياسمين ..النازح من ضيعة (مشقيتا) مجاورة لمدينة حمص ..كل خميس ياتي علي من طرابلس ويبيع الياسمين ويعود كل يوم أحد يعيل امه واخوته في طرابلس ..الصبي علي رب اسرة صيّرته الحرب في سوريا..بالنسبة لزهرة تفعّل تراسل مرآوي بين علي وابنها المجهّظ رغم عنها حيث ارغمها عادل على الا جهاض في مستشفى كرومويل في لندن صائحا بها:(هل تريدين أن تنجبي ضحية أخرى لهذه الامة المتخلفة؟/ 157)..

(*)

بيروت في النص : ليلة كويتية للبذخ النخبوي ..مباهلة بالثراء والازياء والتحرر…وهناك بيروت (الشوارع التي ما عادت تشتهي الوافدين فأغلقت المحلات ابوابها..إن اعداد النازحين السوريين تزداد على مدار الساعة ،ولاطريق او ملجا لهم سوى الشوارع المترامية الاطراف../123) وهناك بيروت العظيمة ..(الكثير من اللبنانيين احتووا بعض العوائل السورية لكن من سيحتوي اكثر من مليون لاجىء..)..واللواتي ذهبن للعرس في بيروت ..(لم تكن صداقتهن طارئة ً على الزمن فماضيهن مشترك واحد رغم اختلاف حاضرهن /111) اعني بذلك زهرة ومنيرة ولولوة ..لكن سعاد أعتذرت..(كونها لاتحمل جوازسفر : (بدون) بعيد عنك) تفترش حكاية سعاد الصفحات (111-112- 113- 114 -115- 116)..وختامها مسك محظور : زواج بدرجة مسيّار/128

(*)

ما ان تنهض من نومها زهرة ثم تجلس قليلا على حافة سريرها حتى تتوجه لتقف تحت ماء الحمام لمدة طويلة :يغمرها الماء باحلام يقظته وينظفّها من كلام زوجهاعادل الذي عكّر مزاجها طوال الليل فتهامس نفسها..(ياله من قرار .ينبغي ان تنتهي هذه اللعبة والى الأبد سأخونه../27) وحول هذا القرارتساررت زهرة مع موظفها حميد الذي يعمل معها في في( الغاليري) الخاص بها وذات يوم يسالها بخبث مخفف..(طيب على سيرة اللمس ..ماأخبار مشروعك؟ فهمت قصده، ابتسمت بغنج قائلة :لم اجد الضحية المناسبة بعد../33) مشكلة زوجها في أحدى جوانبها مشكلة أسلوبية : أصبحت مفرداته بلا طراوة معها ..كانها تعليمات ادارية وزهرة ..(تريد منه كلمة تطيب خاطرها فوجدته كالبومة ينعق مواعظه ومنطقه الذي لايتزعزع ../ 50) وحين تجد الضحية لتخون من خلالها زوجها وتثار لكرامتها المهدورة على يديّ زوجها الذي لايكترث لمشاعرها !!! .. ستكون لدينا رائحة ،هل هي رائحة ال……….ولكن (هل للتانغو رائحة ؟…/141) تانغو :حين نكشط من المفردة : المعنى الجغرافي وهجرات المعنى وانزياحاته الدلالية يمكننا ان نقتنع بالمنظومة اللفظية كلها..أو نرمي الكرة في مرمى الاستعارة المطلوبة : (التانغو تعبّر عن عدة مشاعر معجونة في رقصة هي الحب ،الرغبة ، الشغف ، الشك ،الغيرة ، ثم الخيانة والغضب ../140) وسلتقط فطنة القارىء المفردة الموائمة للسياق الروائي..والخطأ ضمن قاموس التانغو هو الإضافة الصحيحة ..حسب تاجر الاسلحة البريطاني /138 ..تتساءل قراءتي كم هي المسافة بين رقصة الخنجر في (الشمس في يوم غائم) للروائي حنا مينه ورقصة التانغو في رواية دلع المفتي..؟ أرى هي المسافة بين المعلّمين ..الخياط في رواية مينه يعلّم الفتى البرجوازي رقصة الخنجر كي يوقظ الارض ابنة الكلب..والعلاقة بين زهرة ورقصة التانغو هي علاقة عين ترى ..(اعشق الفرجة عليه لاأجيده ، لكنني استمتع عندما اراه .حضرت حفلاً رائعاً لفرقة أجنبية في بيروت في الصيف الماضي/75)..لكن بيل الأميركي الذي يعيش ويعمل في لندن منذ سنوات بيل الذي ورث من امه الارجنتينية بشرتها وملامحها هو وريتشارد يعملان مع عادل زوجة زهرة في تجارة الموت وتحديدا مع بداية الحرب السورية..(أحتاج عادل لمساعدين وفضّل ان يكونوا اجانب لإبعاد الشبهات عنه. التقاه في اجتماع بنكي في سويسرا منذ سنة ونصف../ 165)..بيل يدرّب زهرة على الخيانة والتانغو هو مخدع وخديعة والمفردتان من نفس العائلة اللغوية : خديعة/ مخدع ..وبتجاور المعنى ثمة حد شفيف بين غواية / خديعة ..ضمن السياق النصي التالي ..(ما ان شمت رائحته ُ حتى تساقطت بين يديه كغيمة ماطرة .هي نفسها الرائحة التي كان ينضح بها وهو يراقصها التانغو../160) وبأنزياح دلالي تتأرج رائحة التانغو لتوسق حسب زهرة..(كل الوجوه التي

اضطهد تني كانت ترقص امامي التانغو : ابي ،جاسم ، عادل ، بيل وحتى أخواتي…/188).. وهنا تنتج زهرة معنى ايحائيا لمفردة تانغو ..

(*)

عادل يعيش حياته بشعور بدونية من طراز خاص ،يؤمن بعولمة مسلّحة لذا انضم لمافيا تهريب السلاح/165وعادل يحسب (كل عربي جاهل وكل كويتي متخلف، وكل امريكي متحضر ومتمدن ومثقف ../50)..وبتراكم الثرورة اغترب عادل عن انسانيته (هو عايش حياته كما يريد ولاشيء يمكن ان يكدره../34) وهكذا أنمسخ دور زوجته زهرة في حياته وصيّرها ذلك (المنديل الملّون الذي يضعه في جيب جاكيته العلوي . مجرد شكل لافائدة منه..)..في الفصل (17) والمعنون (فلافل) وكقارىء أراه من أجمل فصول الرواية ، يزخر بالمتغيرات والتحّيز الطبقي للمحذوفين.. زهرة يقودها الصبي (علي) السوري ..علي الورد والياسمين والسرو الذي شردته الحرب من قريته وخلال نزهتها مع علي ..(احست أنها تطل على حياتها من عيني هذا الصغير../169) واذا كانت زهرة قد نسيت حذاءها وهي تتمشى على ساحل البحر وسيلتقط علي الحذاء بيديه ويناديها نسيت حذاءك ! فزهرة ستحاول ان تفكك شفرة النسيان (يا إلهي..هل كانت تلك إشارة؟ هل وجدت سندريلا أميرها الذي سينقذها من بؤسها؟ تمنت ../170) وترى قراءتي ان زهرة لم تنس الحذاء بل استغنت عنه وعن تلك المرحلة الحذائية وكيف (وقعت في حب الحذاء من النظرة الاولى. كان يتللألأ في واجهة المحل بشارع الفوبور في باريس فجاة ومن دون تفكير طويل…حين ترغب في حذاء فلا قوة على وجه الارض ستمنعها عنه../9) وزهرة ترى (الحذاء يعكس شخصية الانسان ..مما يتيح لها ان تحلّل شخصية المراة من نوع وشكل ولون حذائها، فترسمها في خيالها وتلبس هذه تاجا والثانية مريولا، وأخرى تلبسها الحذاء فقط …/9)..ان زهرة سلكت الطريق الحق فهي حافظت على شرفها الشخصي واستعادت انسانيتها التي كانت في تشيوء واغتراب فقررت ان تشيّد مقايضة عدالة جميلة حين تخلت عن خاتمها بكل في الخاتم من دلالات ايحائية وحسب شهادة زهرة (هذا خاتم زواجي ياعم .لااملك مالا لأدفع قيمة الفطور خذه../172) وحين يأبى صاحب المطعم البسيط اخذ الخاتم..تعلنها للبائع ولنا نحن لقراء..(هذا لك ياعم، لم يعد ينفعني ، خذ حقك منه والباقي تبرع به لأطفال سوريا..) ثم تكمل(عندي ماهو احلى من الخاتم…/173)..الخاتم حافظ على وزنه الاقتصادي وفقد معناه الايحائي لدى الزوجة زهرة…

*المقالة منشورة في جريدة الزمان /19/ آب/ 2015

*دلع المفتي /رائحة التانغو/ دار مدارك للنشر/ ط1/ 2014

أحدث المقالات

أحدث المقالات