قدر الشاعر الانسان ان يستسخفه البعض حين يلم به التعب انسانا، ويستعظمه الكثيرون حين يحول التعب شعرا. بين هذا وذاك يظل سعد..ي الذي خان اسمه. لا اظنه “سعيدا”، فليست السعادة صنو القلق والتساؤل والاحتدام الاستفهامي. السعادة بعض من صنيع اللاكتراث والخفة والتنطع. لا تغري سعدي الحظوة والسمعة. تفسر فظاظته ذلك. وهو يوجه سهامها الى من عرفوه، لا الى غيرهم. كيف لا.. والاممية انضمت الى الاصطفاف الطائفي!
صانع اللغة هذا، فقيه معدنها. البارع والصانع والماهر مثل اي حداد يلتمس مطاوعة الصلد والصلب. يدرك جيدا ان لا مجاراة في المعرفة وديدن الشعر. قد يدع لهَمَل الناس محطة عاطلة كي يتفاخروا فيها بعدائهم له. ولكنه يدرك قيمة نفسه. له من سياق التاريخ ما يجعل له صفحة، ومن سياق الناس ما يجعل الكارهين له يحبون التقاط صورة معه.
قد يكره سعدي بلده، وقد يشتم اهله.. قد وقد.. ولكن اقصى المحبة نكرانها. وخيبة المحبة اقسى من خيبة الكراهية. شتيمة الكاره ميزة وامتياز(على طريقة اذا اتتك مذمتي من..)، وشتيمة المُحب خذلان.
لا يعنيه ان يتطاول عليه احد. لا اظن ان الامر يعنيه اطلاقا. ولا يعنيه ان يقال عنه ما يقال. يكفي انه خلق نفسه من نفسه وترك للآخرين حق ان يخلقوا انفسهم إن شاءوا. الموهوب يفكر بما لديه والمتصاغرون يفكرون بما لدى غيرهم عنهم.
الاخضر بن يوسف يعرف جيدا ان خضراء المناطق من صنع مَناطِقة بلا اخضرار وبلا منطق: مُحَكم القول لا يعني حكمة.
يكتب يوما “فلوجتنا”، وفي اليوم التالي يضع قرطا في اذنه ترفضه بالتأكيد “فلوجتنا”. ذلك نزق الشاعر وفوضاه. قلقه. يضع بمصاف واحد الهة المعنى كلها كي ينتقم منها بابليس من نكران: كأنه يتبرع بحائط كريم جدا: اكتبوا شتائمكم.
كنا نحفظ قصائده، في زمن مذلة الوقوف امام شرطي (عاد ذلك الزمن حاليا ) وعناصر السيطرات التي ترى في صفعة خدك تاكيدا لسيطرة رئيس انتحل صفة العسكري ووضع جزافا نجوما على كتفيه كمهيب ركن نهابه في كل ركن..
يستخسف البعض ما يقوله سعدي يوسف ولا يستسخف هذا البعض ما يراه من بشاعة تعيد التذكير ان من حق الفم ان يبصق على مآل امل استحال الما.
فاصل: من مُستلذات مصطفى جواد ورحيم نعمة العزاوي تفريقهما بين هل والالف. هل للجملة الفعلية والالف للاخيرة والاسمية ايضا.: “هل يستوي الذين يعلمون …”. و..”أ تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم”.
اجل- كتب ما كتب، وكتب عنه الكثيرون عما كتب. ولكن هل الكتابة تعني شيئا امام الاف الدولارات المهدورة؟ عذرا قلت الالاف لان مساحتي العقلية لا تتيح لي تصور اموال الملايين والمليارات.. ولكن لدي عقل يتيح لي التساؤل اين ذهبت الملايين والمليارات، في جيوب من؟ وفي بطون من؟
هل يعقل ان الجيوب التي اتسعت للنهب والسلب لا تتسع قلوبها لقامة مثل سعدي يوسف؟ اية بلاد هذه لا تتسع لرموزها؟ هذا الذي امضى عمرا في النضال ضد نظام البعث وصدام حسين- الاخير كان مجرد ذكر اسمه يجعل اكبر راس بالحكومات والبلدان يطرق قليلا او كثيرا – اما لدى معارضيه فانهم كانوا يطرقون كثيرا حين ينسون تلاطم سيقانهم خوفاً وتلعثم السنتهم خشيةً.
.. هذه القامة التي اسمها سعدي يوسف لا تجد لها مكانا في عراق ما بعد …؟ ماذا؟ كلها صفات شائنة : ما بعد صدام؟ (الاخير محبوب عند العرب) ما بعد اميركا ( الاخيرة مكروهة عند العرب).. ما بعد الصراع الطائفي؟( الاخير مكروه لدى العراقيين) ما بعد العنف والفساد. بعد ماذا اذن؟ الاخيرة للاستنتاج المنطقي عادة، في القياس الارسطي. ونحن جميعا نعرف ارسطو ونعرف: “اذاً” ماذا تعني وليست اذن؟.
بالتاكيد لا احب الكثير مما يكتب سعدي حاليا. ولا استنجد بالرحمة كي اقول رحمةً به.
“أ تأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم…”. لا تنسوا انفسكم. ولا تنسوا ان سعدي اكبر من النسيان.
بلاد بلا قامات .. لا تستحق ان تكون لها قامة
اناس بلا قامات يعني بلادا على خريطة مؤجلة.
قياس منطقي مبسط ولكنه حقيقة مع الاعتذار لعلي الوردي الذي كان يستخف بالقياس المنطقي وخصوصا في كتابه منطق ابن خلدون.
قامة الاخضر كاخضرار النخل.
لا انتظر موعد سعدي مع السماء كي ارثيه. احتاجه على الارض كي احتفي بواحد من بلادي. انه سعدي صاحب الشعر الفاخر.. جمر من دفء يسترسل.. ابوابه موصدة ويترك لكل مالا يشتهيه الدخول من النافذة.
دعوا الثقوب تثرثر. اتحدث بمنطق السدود.
ما دخل صدام بالعنوان؟ مجرد عنوان صحفي..
ليست مشكلة.
سعدي اخر خيبات الموتى. واول الاحياء المؤجللون.