جاء الصبح ومعهُ الربيع يتغنى، طيور تغرد، وتخرج ابتسامة الامل، تبني وطن على شجرة الصندل، حاملة ازهار صغيرة، تشعر بسعادةً كلما انقضى ليلها.
رأى طفلاً صغيراً ذلك المشهد الجميل، العش العائلي ووطنٌ تفوح منهُ رائحة الأمان، كشجرة الميلاد في أعياد رأس السنة، كأنه يردد في نفسه ويقول: لا يمكن العيش الا في وطننا ولا نستولي على اعشاش الاخرين، علينا أن نحافظ عليهِ كما يحافظ الطير عشهِ، وهو يجمع قشاً، وعشاً، وعيداناً، جعلت منه تلك اللحظات أجملها، وأسعدها اياماً.
كما قال: ذلك الطفل وهو مسروراً مبشراً بالأمل؛ كم تمنيت أن يضاعف عمري حتى يطيل في ذلك العش الترف، لأشاهد صلوات والدي، ودعاء جدتي وابتسامة امي، لكنني أرى العكس لم استمتع طويلاً، ولن اراه الا قليلاً، لن يحين الوقت لأصافح الرجل الذي ساعدني في البناء! لم أرى عقارب الساعة تدق فرحتها! فلم يزورني ضيفُ بعد، ويسعدني بلقائهِ.
لقد طرق بابي، وجاءني ضيف غريب، مثل رياح يزف بستاناً لينشر السنابل على الحواف، دخل بلا استئذان، كاللص الجريء في النهار، فقد سرق ابي منا وأرسل الدموع لجدتي، ونشر الجراح حول ارصفة المنزل، بقيت اجمع الدموع لحين عودة ابي، فلم يعود! صرخت كالمنادي فلا مجيب، ابي اين انت؟ وأين نحن؟ فقد كسُر عظم ترقوتي، لأنهم سرقوا اشيائي، بت لا افرق دمعة امي عن باقي دموع النساء! فكلاهما ثكالى! والبقية إيتام، مخبأين داخل جوف من الفقر والجوع والضياع، في وطني غير وطن.
أرى الوجوه شاحبة، بعضها خائفة والبعض خائنة، سرقُ البياض من العين، وسرقَ منزلنا ورموا بنا خارج ديارنا، مثل هجرة طير عندما تجبرهُ المواسم، تصافح بعضها البعض وتفارق احبتها بلا وداع، نسيت ذلك العش المشتاق.
ابي؛ لماذا تركتني اداعب الحشيش؟ تشاركني فيها البغال! ابني وسادتي من رمال اغفى عليها، كأني ارمم مملكة من الحزن والشقاء، ذلك البناء الحزين في بلادي غير بلاد، متحدياً للنهار كليلة حالكة مظلمة، تحاول الصراع مع الموت، فأصبحت حينها مهجراً ونازحاً، ومهاجراً، او قطيعاً، كالمتسول في الشارع، يطلب اللقمة من الحاكم.