23 ديسمبر، 2024 6:13 ص

“أبو زوعة” والجنرال مود!!

“أبو زوعة” والجنرال مود!!

الجنرال فردريك ستانلي مود (1917-1864) هو القائد الإنكليزي للقوات العامة في العراق الذي أسقط بغداد وبلا قتال في 1131917 , وقال كلمته المشهورة في 193 1719 “جئنا محررين لا فاتحين”, ومضى في ملاحقة الجيش العثماني ودخل معه في معارك متعددة كمعركة سامراء (إصطبلات) , وفي ديالى والرمادي وتكريت ومضى شمالا إلى الموصل.
وتوفي ببغداد في 18111917 مصابا بمرض “أبو زوعة” , “الهيضة” أو ” الكوليرا”.
ويقال أنه في مساء يوم 12111917 قد حضر حفلة في مدرسة الأليانس اليهودية ببغداد , وتناول فيها الحليب الملوث , وبعد عودته إلى بيته شعر بتوعك في صحته , ثم إشتد عليه المرض الحاد فمات به , ودفن في المقبرة الإنكليزية قرب باب المعظم.
وأقيم له تمثال أزيح الستار عنه عام 1923 أمام مبنى دائرة المندوب السامي البريطاني بالكرخ وأصبح المبنى فيما بعد مقرا للسفارة البريطانية , وفي صبيحة 1471958 , أسقطت الجماهير الثائرة التمثال.
بغداد التي توالت عليها الهجمات منذ أن بناها الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور , في الثلاثين من تموز عام سبعمئة وإثنين وستين ميلادية , لتكون مدينة مدورة وعاصمة للدولة العباسية والحضارة الإنسانية , ولتبث أنوارها الساطعة في أرجاء الدنيا فتبغددها , وتنقلها إلى آفاق التمدن والتحضر والثقافة والرقاء والجمال.
ولم يكن إختياره الشكل الدائري للمدينة عبثيا , وإنما ينطوي على فلسفة التواصل والدوام , فالدائرة مسار مغلق لا يعرف النهاية والبداية , والموجودات الكونية الخالدة تتصف بالدائرية والكروية , وهذا معناه أنه أرادها أن تكون مدينة متسرمدة في الأرض.
وقد إجتاحتها الجيوش تلو الجيوش , وأمواج الوحوش بعد الوحوش , وجميعها خابت وخبت , وبقيت بغداد عصية على الفناء , بل تزداد تجذرا ورسوخا في قلب التأريخ والحياة.
وهذه الأيام تمر الذكرى التاسعة والتسعين لإحتلالها من قبل الجيش الإنكليزي , الذي لم يتمكن البقاء فيها لأكثر من بضعة سنوات , فتأسست مملكة العراق في الثالث والعشرين من شهر آب عام ألف وتسعمئة وواحد وعشرين , التي إستمرت حتى الرابع عشر من تموز عام ألف وتسعمئة وثمان وخمسين.
وما إنطلت على العراقيين كلمات “مود” في ذلك الوقت , وتجدهم اليوم يواجهون ذات الكلمات والشعارات المبرقعة المُضللة , التي تستنزف ثرواتهم وتشردهم وتقهرهم , وهم يحاولون التحدي والمقاومة الحرة الشريفة , لإعادة الروح البغدادية والطبيعة العراقية إلى أصلها الجامع المتآلف الوهّاب , وستنتصر بغداد على حاضرها الأليم , كما إنتصرت في ماضيها على كل معتدٍ أثيمٍ , أراد النيل منها وتغييب دورها وإضعاف وجودها الحضاري.
وستتسع دائرية بغداد لتضم معالم الإنسانية وحواضر الدنيا , وستدور الدوائر على البغاة والجناة الذين يعادونها , وستهزمهم بغداد!!