ابا ذر الغفاري : سيدي مشيت وحدك ,وتُركت وحدك تُصارع وحشة الغربة في المنفى والألم يحيط بك فأضبت عليك الحسرة والآهات مؤمناً بما كتب عليك ,فأركبوك على جملٍ بلا غطاء ولا وطاء ,في منفى البعيد بالربذة ماتت زوجتك من شدة الجوع والتحق بها ولدك,أصابك الذهول وانهارت قواك ,وأبنتك الثائرة تبكي عليك ,وتقول لها ما يبكيك يا أبنتي :كيف لا أبكي، وأنت تموت في فلاة من الأرض، وليس عندنا ثوب يسعنا كفناً لي ولا لك، ولا بدَّ لي من القيام بجهازك ,مات ابو ذر رابع المؤمنين برسالة السماء ,وبقى فكراً مناهضاً لكل الانتهازيين والوصوليين,دفع ضريبةٍ باهضةٍ من عمره وحياته وعمر أهله لأنه كان صوتاً يؤرق مضاجع الفاسدين الذين سرقوا أموال الناس وتلاعبوا بحقوقهم بدون أذناً شرعي ,كان يرعبهم ويذكرهم بما جنت أيديهم من سرقاتٍ لأموال المسلمين بدون وجه حق ,ليس غريباً عليه أن يلقى مالقي من ظلم وتعسف بحقه ,هو نديم مدرسة العملاق المتعملق الخالد صوت أنات المعذبين علي بن ابي طالب (ع) ونديم فكره ,أية أمةٍ تلك التي تتعامل مع رجالاتها الأفذاذ بالاستخفاف وهي عاصرة الرسول الاكرم (ص)وسمعت قوله بحقهم وكان ابا ذر واحداً منهم {ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر } لم يحاول ابا ذر الحصول على منصب أو كان له مطمع أو مرتع او لنفسه شيء من السلطة والدنيا ,كان محامي الضعفاء الذين يبحثون عن قوتهم بين قصور مزخرفة لم يبقى منها عبر الدهر سوى أطلال تذكرنا بحجم المأساة التي كانت تعيشها الامة انذاك ,أنه مفتش عام أخذ على عاتقه محاربة ومكافحة الفساد في دولة ليست لها أية مقوماتٍ للدولة ,يحاربه بلسانه من خلال توعية المجتمع بأنهم أصحاب حق ,والحق يحتاج مطالبين به لا خانعين وخاضعين ,يحتاج رجال ومواقف وثوابت ,لا إمعات اتباع كل ناعق ومع كل ريح ,لم يستخدم سيفه في القتال ضد اللصوص الضاغطين على مئزرهم للنهب ,لكنه صير الجانب الوقائي في حملته ضد المفسدين الذي حملوا على السرقة بأبواب متعددة ومتنوعة ,وأصبح الراية التي يلتف حولها الجماهير والكادحين ،وذاع صيته وهتافه يردده الناس أجمعين (بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاوٍ من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة (وبدأ أبا ذر بالشام،أكبر المعاقل للثراء والترف على حساب قوة الفقراء (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه) كان سلاحه منطق الإقناع والحجة ،يعلم ويثقف الناس بأنهم جميعا سواسية كأسنان المشط، جميعا شركاء بالرزق ولا فرق بين أسود وابيض , كان همه الاكبر تنفيذ وصية الرسول وهو يقول
:{أوصاني خليلي بسبع، أمرني بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني ألا أسأل أحدا شيئا، وأمرني أن أصل الرحم، وأمرني أن أقول الحق ولو كان مرا، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من: لا حول ولا قوة إلا بالله} كنت ولازلت سيدي زاهداً متواضعاً وكيف لا وقد قيل لك : ألا تتخذ أرضًا كما اتخذ طلحة والزبير؟ فقال: “وما أصنع بأن أكون أميرًا، وإنما يكفيني كل يوم شربة من ماء أو نبيذ أو لبن، وفي الجمعة قَفِيزٌ من قمح” وتقول “كان قوتي على عهد رسول الله صاعًا من التمر، فلست بزائدٍ عليه حتى ألقى الله تعالى ,مشكلته أنه عفيف نزيه في بيئة يعتبر من مثله أنه خارج السرب لم يستطع أحداً رشوته بمالٍ او سلطةٍ أو امارةٍ , فحل ماحل به من مصائب وابتلاءات على يد انصاف رجال لم يعرفوا حرمة لمال المسلمين والائتمان عليه,ولم يأبهوا لنصائح ومواعظ وحكم تذكرهم بعمق الاساءة التي ارتكبوها بحق انفسهم اولاً وبمقدرات المجتمع ثانيةٍ ,اراد لهم الخير والنجاة من عقاب تاريخ مزري سيذكرهم ,وآخرة ملؤها الجحيم تنتظرهم ,وأرادوا له السوء والإساءة كل ذلك لم ولن يثني من عزيمته وإصراره على مواكبة خطه ونهجه ,ستبقى المعاول تزبئر قساوةٍ وضراوةٍ ,وسيبقى ما بنيته من بنيان متينُ ,نم قرير العين ابا ذر وباب من آذاك لا يزال موصدُ,وصديق دربك الإمام علي: يقول بحقك (لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر(