كنت على وشك أن افقد الأمل نهائيا ! فظننت أن الغيرة العراقية قد أنتهت وتلاشت وضاعت مابين اقدام العراقيين أنفسهم ! فمنذ زمن الحصار الأقتصادي الذي فرض على العراق بداية تسعينات القرن الفائت و الفقر والعوز يتفشى بشكل كبير بين أفراد المجمتع العراقي لتنخفض بموجبه كل مقاييس المروءة والغيرة لدى البعض ولينشغل الأخرين بوسائل تدبير لقمة العيش ساعيا وراء تحقيق ديمومة الحياة كلا من منظروه او مايراه هدفا له .. أستمرت حياة العراقيين وهي تصعب وتصعب وكلما مرت سنة جديدة ازدادت صعوبة وقسوة حتى اصبحت الحياة مستحيلة بدون تواجد تلك القسوة نفسها التي أمست عنصر اساسي من مكونات حياة العراقي , فالقتل والتفجير وتطاير اشلاء الناس صورا تعودت عليها العين العراقية في مشهدها المتشاؤم , وكيف لا ونحن نرى النازحين من العراقيين من نفس هذا الشعب وهم يتركون منازلهم ليسكنوا الخيم وسط هذا البرد الظالم شئنه شئن ظلم الساسة العراقيين الذي ابتلى بهم هذا الشعب المسكين الذي انهك من عشق الأحباط وتراكم المؤمرات به دون أي ذنب يذكر , قبل ايام شاهدت صورا حيا بثتها قناة الشرقية الفضائية لتغطية قام بها الزميل ميناس السهيل لمخيم ( الأمل المنشود) وهو مخيم خاص بنازحين الهاربين من العمليات العسكرية وهو مخيم يفتقر لادنى حدود الحياة الكريمة للانسان , مواطنين عراقيين يعيشون وسط تلك الخيم مع وجود الجو البارد في العراء الخالي من أي شيئ سوى رحمة الله سبحانة وتعالى , احد ضيوف ذلك المخيم الذي دخل المخيم لاول مرة مع عائلة المتكونة من (15) فردا , تحدث حينها لعدسة تلك القناة عن المعاناة الحقيقة التي يعيشها نازحين تلك المناطق العراقية فكان صوته معبرا عن مرارة تلك المأساة الانسانية , الاف تلك الصور لم تحرك مشاعر الساسة ورجال الاعمال الذين بقيوا صانتين صامتين تجاه معاناة تلك الشريحة المظلومة , فاين غيرتكم واين شهامتكم واين هي ادنى مستويات انسانيتكم ان وجدت اصلا ! الم يكن العراق ارض الكرماء في يوم من الايام ! لقد اشرت مسبقا انني كنت سافقد الأمل نهائيا بانقراض تلك الصفات والمسميات لغاية مااكتشفت ان صاحب الغيرة الحقيقة سيقدح صوته عاليا حتى لو كان هو نفسه من النازحين ! فابو حسن هو احد النازحين الذين اظطروا لترك منازلهم هربا من عصابات داعش ليسكنوا في بستان احد اصحاب الاموال!!! فابا ابو حسن ان يسكن بالايجار على الرغم من الظروف القاهرة التي تعصف بابو حسن وعائلته فهو لايملك معيل غير الله وابنه حسن في هذه الدنيا و حسن يعمل بصفة شرطي في حماية منشأت بغداد وهي احدى تشكيلات وزارة الداخلية , ومن سوء الحظ العاثر ان يشاء الله ليتعرض حسن لاصابة بطلق ناري( بالخطأ ) حين طلب امر فوج حسن منه ومن رفاقه
تنظيف الأسلحة كنوع من انواع الترشيق الذهني لرجال ذلك الفوج , وفي تلك الاثناء اخطأ زميل حسن ليطلق الرصاص على حسن وليهدي زميل حسن هدية غير مرغوبا فيها و عن طريق الخطأ العيار الناري الذي استقر في اسفل ساق حسن اليمنى , نقل حسن على اثرها الى المستشفى ليتلقى العلاج اللازم ومن الطبيعي ان يزج زميل حسن الذي اطلق عليه الرصاص دون ان يعلم وبدون ان يقصد الى سجون تلك المديرية المختصة لينال جزائه الذي يستحقه فالقانون هو القانون خاصة مع اصحاب الطبقة الضعيفة ! وعلى الفور بادر ذوي المسجون الى لزيارة اهل حسن من اجل دفع ” الفدية ” مثل مايعرف ب” الفصل ” والفصل مثل ماهو معروف هو مبلغ من المال تتفق عليه عشائر الطرفين من اجل حقن الدماء بينهم وايقاف نزيف الكره والبغضاء عن طريق كلمة شرف يطلقها كبار ووجهاء العشريتين وهي عادة انتشرت بشكل كبير بين اهالي العراق خاصا في العشر سنوات المنصرمة نتيجة لضعف صولة القانون , بدئت تلك الجلسة العشائرية في بيت اهل حسن الراقد في المستشفى وهو عبارة عن بناء ( جينكو) ومتكون من غرفة واحدة مع ملحقات متواضعة جدا وكان من السهل ان تلاحظ مدى الفقر الذي كان يحيط بمنزل حسن المهجر من مدينة الام , وبعد ان قدم ابو حسن واجب الضيافة بدئت عشيرة المسجون بتقديم ارقام الاموال الذي تود عشيرتهم دفعها لابا حسن تعويضا له ولعائلته لماصابهم من ضرر نتيجة جرح حسن خاصة وهو المعيل الوحيد لعائلته , وهي لحظات حتى حلق صوت اباحسن عاليا وهو يرفض بكل غيرة وعزت نفس عالية تلك الفدية وبشكل قاطع وهو يقول ( عائلتي لن تأخذ قرشا واحدا من هذه الاموال , كيف ناخذ مالا هو ليس لنا ..هل نجني الاموال نتيجة تنفيذ اقدار الله التي ارادها وقسمها لنا ..فهذه هي اقدار من الله ..والحمد لله والشكر) تعجب شيوخ عشيرة المسجون عن ماتحدث به ابا حسن نظرا لمايحمله من غيرة عراقية قل مانظر مثيلها في هذه الايام , فعزة نفس ابا حسن الذي هجر من منزله قسرا ليسكن بستان مهجور ليجول معه برد الشتاء وحر الصيف في غرفة من (الجينكو) هي اغنى من وجوه اشخاص تسكن القصور وهي لاتملك ذرة من الانسانية والرحمة والغيرة ..