23 ديسمبر، 2024 3:09 م

أبو تمام في مواجهة داعش ..!

أبو تمام في مواجهة داعش ..!

يواصل الداعشيون حربهم على كل شيء ، على الحياة والناس والوطن والطبيعة والجغرافيا والتاريخ وصولاً إلى تحطيم التماثيل . فبعد أن احتلوا وامتهنوا الموصل العراقية التاريخية وسقطت بقبضة أيديهم أشاعوا في جنباتها مظاهر القتل والدمار والخراب ، وانتهكوا أسرار آشور ، ويحاولون بالقوة فرض أفكارهم وتجذير قوانينهم ودستورهم في أزقة وساحات وميادين العراق ، ويقومون بذبح أبناء الموصل وتفجير الكنائس والمساجد ومراقد الرموز الإسلامية فيها ، وفرض جهاد النكاح على النساء العراقيات ، ومن ترفض تغتصب ثم تذبح .

وقبل أيام أقدمت داعش على هدم وتحطيم تمثال الشاعر العباسي ، أمير البيان أبي تمام . وهذا العمل البربري الإرهابي الأخرق والمشين الذي نفذه الداعشيون بحق احد رموز الشعر العربي ، هو استمرار لما قامت فيه المجموعات السلفية المعارضة التي تنتمي لجبهة النصرة في سورية العام الماضي ، حيث حطمت وكسرت تمثال أبو العلاء المعري في معرة النعمان باعتباره من “الزنادقة “، وما قام فيه المتشددون المتعصبون في مصر بقطع رأس تمثال عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وتمثال سيدة الغناء العربي أم كلثوم .

وفي حقيقة الأمر أن تحطيم التماثيل ونهب الآثار هو جزء من المأساة الرهيبة التي حلت بتراثنا الفكري الحضاري العربي ، وهو تدمير للهوية والتاريخ والحضارة وحتى المستقبل ، وبمثابة تحريض واعتداء على حرية التفكير والمعتقد ، وقطع رأس الفكر والحرية والديمقراطية .

والداعشيون بعملهم الإجرامي هذا يريدون استئصال واغتيال شاعر القوة والجزالة أبي تمام ، الذي ولد لأب مسيحي واعتنق الإسلام وقال “السيف أصدق أنباء من الكتب” مادحاً الخليفة المعتصم بعد استيلائه على عمورية إحدى حصون وقلاع الروم . لكنهم لم يدركوا أن انقضاضهم على رأس الشاعر العباسي أبو تمام أعادوا الروح من جديد لصاحب “الحماسة ” و”فتح عمورية” ، وأعادوا إحياء قضية حرية التفكير والمعتقد .

وامام هول هذه الحادثة بل الكارثة الثقافية ، نتذكر ما قاله الشاعر اليمني الكبير عبد اللـه البردوني في قصيدته الشهيرة “أبو تمام وعروبة اليوم ” حيث قال :

ماذا جرى … يا أبا تمام تسألني عفواً سأروي ..ولا تسأل.. وما السبب

اليوم عادت علوج (الروم) فاتحة وموطن العرب المسلوب والسلب

حكامنا أن تصدوا للحمى اقتحموا وأن تصدى له المستعمر انسحبوا

أننا نحتج وندين تحطيم تمثال أبي تمام في الموصل ، ونؤكد أن روحه ستظل تطارد الدواعش في المعركة الطويلة ضدهم حتى الانتصار عليهم ، وتسييد فكر التنوير وثقافة النور والحرية والعدل والديمقراطية .