سويعات قليلة بين نشر خبر تخرج ابنتي وفرحتي بها ، وبين خبر مُحزن له وقع الصاعقة على نفسي وروحي، نعم سويعات !!! فبعد صلاة الفجر في المسجد ولأنني لم أنم في تلك الليلة ، سألت الله ان انام لساعات بعد صلاة الفجر ولكن!!!تناولت الموبايل لأتصفح الفيس بوك وإذا بهذا الخبر الذي سرق كل شيء اسمه فرح أو سعادة، لم اصدق، ناشدت الناشر بالله عليك هذا الخبر صحيح وكتبتُ ( لا إله إلا الله ) فرد علي ( محمد رسول الله)، هذا قدر الله سيدي العزيز….
خبر مُفجع لم أواجهه إلا بدمعٍ مُنهمرٍ لا اعرف من أين يأتي ، فارقته عام ٢٠٠٣، وتحادثنا هاتفياً قبل أيام واتفقنا على اللقاء في اربيل او تركيا قريباً من حدود الموصل حيث يسكن….
نعم كيف أبدأ، ماذا أقول ، أيها الأخ أم أيها الصديق أم أيها الرفيق أم أيها الآمر أم أيها الأنسانَ ؟ أنتَ كُلها وأكثر…
الملازم عبدالستار أم النقيب والرائد عبدالستار أم المقدم الركن والعقيد الركن عبدالستار أم اللواء الركن عبدالستار عزيز فندي الجبوري….
عرفتكَ ملازماً عاد للتو من الأكاديمية العسكرية الباكستانية ليعود أمر فصيل في الكلية العسكرية ، من ذاك الوقت عرفتك، رشاقة، لباقة، علم ، ضبط ، ثقافة قلّ نظيرها من ملازم جاء من احد قرى نينوى من قبيلة الجبور ليسأل أسئلة ويُعطي إجاباتها في وقت لا إنترنيت ولا موبايلات ولا گوگل، ولكن شخص يهوى القراءة ويحب الكتاب الى درجاتٍ لا توصف، من أسئلة الحكمة الى الفلسفة الى التاريخ الى الحروب الى القادة الى الى….
عملنا سويةً لفترات طويلة حيث عمل عبدالستار آمر فصيل ثم معلم تعبية في الكلية العسكرية ثم آمر حرس الشرف ثم ضابط في الحرس الجمهوري ثم مدرس زمرة في كلية الاركان ثم ضابط ركن في التشكيلات ثم مسؤول تنظيمات فرقة المشاة ١٥ وإلى احتلال العراق سنة ٢٠٠٣ المشؤومة….وضع تنظيم وقيافة وتقاليد لحرس الشرف لعمري تضاهي أرقى ماموجود في العالم ، الله اكبر…تزوج م أ عبد الستار فجاءه الولد البكر ( كَرْم )، وربطتنا علاقة عائلية معي ومع اخوتي نواف وطارق فصار عبدالستار الشقيق الثالث لي ولأخوتي، زوجته أبنت اخ الفريق الركن ابراهيم خليل الجبوري وهو احد ابرز قادة الجيش…عام ١٩٩١ كُنَّا عبدالستار وأنا مدرسين ( معلمين) في كلية الاركان حيث انتقلت الى العامرية، وكان يسكن في سكن عوائل المدرسين في نفس الكلية …الحرب مُشتعلة على العراق من قبل العدوان الثلاثيني ١٩٩١وطائرات العدوان الامريكي البريطاني الصهيوني ترمي بحممها على بغداد دون تمييز بين هدف عسكري او مدني…
بعد انتهاء الدوام مررت به كي يأتي للمبيت عندي هو والعائلة في بيتنا بالغزالية خوفاً من استهداف كلية الاركان، رفض ، الححتُ عليه لاقناعه بان أأخذ أم كرم وكرم ويثرب وشقيقتيها ويبقى هو ورفض قائلاً ( ما كو شيء ونحن لسنا بافضل من شهداء العراق)،ولكن ليلاً أقنعه اخوتنا المدرسين ان تذهب عائلته الى ملجأ العامرية حيث كان النساء والأطفال والشيوخ، فأودع عائلته في الملجأ( ملجأ العامرية).
وفي ذاك اليوم المشؤوم وفي الصباح الباكر دوت انفجارات ضخمة وتصاعد اللهب والنار باتجاه العامرية، وحيث لا تلفونات تعمل ولا ستلايت ولا موبايل ، اسرعتُ من الغزالية الى الكلية ، يا ألهي هذا ملجأ العامرية!!! المياه والاشلاء والدخان ووو ، وبعض ضباط كلية الاركان ، تقدم لي احدهم وقال عائلة اخوك ابو كرم هُنَا ، ياإلهي، ذهبتُ الى سكن عوائل الضباط فوجدتُ مجموعة من الضباط عند أبو كرم ، فصاح بوجهي ( اخوي أبو الحارث راح ولدك كرم وأخواته وأمه ، ليش ما سمعت كلامك وخليتك تاخذهم)، لم يبكي ابداً ولكنه ردد عبارة ( فدوة للعراق)، ولكنه بين فترة واُخرى يصرخ لا إرادياً ( أويلي ياكرم ياابني)…
ذهبنا نبحثُ في الأشلاء ، وفي احد المستشفيات عثرنا على جثة ( أم كرم ) من خلال ( خاتم الزواج) لأن كان منقوش عليه ( عبدالستار)….بعد أيام قليلة جاءه خبر استشهاد أخيه الأكبر…
بعد سنوات تزوج من شقيقة زوجته ( منتهى الكرم من والد زوجاته وعائلتهم الكريمة)، ورزقه الله إبناً أصر على تسميته ( كَرْم) وبنتان….آخر مرة التقيته ( ونلتقي في الجنة باْذن الله) كان قبل اسابيع من حرب احتلال العراق سنة ٢٠٠٣ في قيادة فق مش /١٥…
بعد الاحتلال البغيض اللعين سجنوه المحتلون سنوات طويلة ، ثم تمّ الإفراج عنه، وبعد احتلال داعش خرج مع عائلته الجديدة الى بلدة تركية قريبة من الحدود العراقية….
تكلمتُ معه قبل أيام ولم يشكي لي من المرض وكان بنفس النبرة القوية والمعنوية العالية ( وعلمتُ بعد رحيله أنه كان مريضاً)، واتفقنا أن نلتقي هذه ( الصيفية) مع عوائلنا في اربيل أو بلدته التي يُقيم فيها في تركيا ، ونتواصل في الفيس بوك والواتساب …وفي فجر هذا اليوم سمعتُ بخبر رحيل الاخ والصديق والرفيق والضابط والإنسان الرائع اللواء الركن عبد الستار عزيز فندي الجبوري ( أبو الكَرميين )، يالله يالله يالله ، صبرك ولطفك، رُحماك ربي بأخي عبدالستار، ربي اجمعه مع (كرم الأول) وأمه وشقيقاته في جنات النعيم، وألهم يارب (كرم الثاني) وأمه وشقيقاته واهله الصبر والسلوان….طِبتَ ( أبو الكَرميين ) أبو ( الشهداء) حياً وميتاً، وجمعنا الله معك في جنته، طيب الله ثراك أيها العزيز إبن عزيز، وداعاً أيها الاخ الرائع أبو كرم .