وأنا أتابع الحلقات العشرة الأولى من المسلسل التاريخي “عمر” استفزني أداء الفنان الكبير جواد الشكرجي لدور”أبوجهل ” حتى كاد أن ينسف حبل الود الذي بيننا من شدة اندماجه بالدور ,وذكرني بحكاية سمعتها قبل سنوات بعيدة عن ضابط الماني شاهد عرضا لممثل يحبه كان يؤدي دور خائن لوطنه , وكان في الصف الأول من الحضور ولبراعة ذلك الممثل في أداء الدور فقد الضابط صوابه وأخرج مسدسه وأرداه قتيلا على الخشبة وحين انتبه لما قام به انتحر , وبما أن حكاية ذلك الضابط كانت مأساوية , انتهت بدماء وأصوات رصاص, وجريمة , فإن لي حكاية محبة مع فنان مسرحي مبدع كسبته صديقا بعد أن شاهدت له عرضا ل”عطيل” في معهد الفنون الجميلة منتصف الثمانينيات ,من إخراج الفنان فخري العقيدي وكان ذلك الممثل يؤدي دور “ياغو” الشرير , فجسد كل شرور النفس البشرية في ذلك الدور , وبدلا من أن أحييه بعد انتهاء العرض , كما جرت العادة, حين نعجب بأداء ممثل بقيت أدور حوله وأصب الشتائم, وفي اليوم التالي تذكرت إنني أخطأت بحق هذا الفنان, فتوجهت الى المعهد وطلبت من الصديق الفنان “عدنان محمد علوان” أن يعرفني به فصافحته , مهنئا ثم حدثته عن مشاعري السلبية تجاهه بعد انتهاء العرض فصرنا منذ ذلك اليوم أصدقاء , ولم يكن ذلك الفنان سوى المخرج والممثل “حيدر منعثر”, فبعض الممثلين حين يندمج بالدور يجعلنا ننسى أنه يمثل لذلك تتوجه مشاعرنا نحو الشخصيات التي يؤدونها اليهم , وهكذا كنت أخشى أن تتجه مشاعري نحو أفعال “الحكم بن هشام” وهو يحارب المسلمين عند بدء الدعوة في مكة الى الفنان جواد الشكرجي الذي تربطني به صداقة قديمة وعميقة لذا اتصلت به وأوضحت له حقيقة مشاعري , فضحك وقال ” لست الا ممثلا أتقمص الشخصية التي تسند الي ولا أفكر حينها بسوى ذلك”
قلت له” لكنك عند أدائك شخصية”أبوجحيل” رئيس العصابة في مسلسل”ذئاب الليل”لحسن حسني جعلت الجمهور يحبك فحدثت ردة فعل عكسية , فبدلا من أن يكره الجمهور رئيس العصابة أحبه وكان الأطفال يبكون حين تحاصر قوات الأمن “أباجحيل” وهو ماجعل السلطة آنذاك تستاء , وتحاول منع عرض الحلقة الأخيرة وقام الدكتور مجيد السامرائي بتجهيز ندوة جمع بها فريق عمل المسلسل مع عدد من الصحفيين , وكنت من المشاركين في تلك الندوة , لتبث بعد عرض الحلقة الأخيرة من المسلسل , وأخيرا عرضت الحلقة ولم تبث الندوة لكي يتم تجاوز المسلسل
فقال “تلك قضية أخرى , ف”أبوجحيل” ضحية ظروف خاصة مر بها وجعلته مجرما لذا حاولت كلما سنحت لي الفرصة أن أظهر جانب الخير المختبيء داخله فأحبه الناس ,أما بالنسبة لأبوجهل فالوضع يختلف “
قلت له ضاحكا “لحسن الحظ , إنك لم تقرأ الشخصية بشكل آخر والا لحشرت معه ” فضحك.
وهكذا فالممثل الكبير يجتهد في قراءة الشخصية التي تسند اليه فيتحكم في مشاعر المتلقي , وقد أضاف الشكرجي في أدائه لشخصية “أبوجهل” في المسلسل الذي روى قصة الإسلام كاملة وحتى عرض نصف حلقات المسلسل لم يكن الخليفة”عمر بن الخطاب”سوى شخصية من شخصياته لكن اسمه جعل المسلسل أكثر رواجا , أقول : أضاف نقطة مضيئة في سجل تاريخه الفني المليء بالانجازات في المسرح والتلفزيون مؤكدا أنه واحد من الممثلين الكبار .