هدد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بفتح أبواب الجحيم على العراق في حالة عدم تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة ، ولاأدري من كان وراء ادراج هذه العبارة في كلمته الأسبوعية ؟ وما المغزى منها ؟ وهل هي محاكاة لما قام به الامبراطور الروماني نيرون عندما أحرق روما عام 64م قبل أن تكون نهايته منتحرا بعدها بأربعة أعوام؟ أو لعله مجرد تقليد أعمى لموجة الأضطرابات والعنف التي أطلقها الاسلاميون في مصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو عام 2013؟ أم انه أقتبس هذه العبارة من حليفه الرئيس السوري بشار الأسد الذي حذر من فتح أبواب الجحيم على المنطقة (وهو ماحصل فعلا) اذا ما أستمرت (المؤامرة) على نظام حكمه؟ أم تراه تعاطف مع العقيد الليبي الراحل معمر القذافي والذي حذر هو الأخر من فتح أبواب الجحيم في حالة المساس بعرشه ؟ وماهو الجحيم الجديد الذي لم يراه العراقيون لحد الأن ياترى؟
لازلت أتذكر تصريحات وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان عام 2003 عندما وصف غزو العراق بأنه سيفتح أبواب الجحيم على المنطقة برمتها، وهو ماحصل فعلا فالعراقيون عرفوا الجحيم منذ ذلك التاريخ وأكتووا بناره طوال 8 سنوات هي حصيلة حكم المالكي للعراق الذي غرق في عهده بمستنقعات الارهاب والطائفية والفساد ، وعربيا كان سقوط بغداد ايذانا بتزايد التعنت والجبروت الاسرائيلي وبداية تغلغل المشروع الايراني وصعود الحركات الاسلامية الراديكالية المسلحة وهو ما أفضى الى ايقاظ الفتنة الطائفية من سباتها وأتى الربيع العربي بأماله والأمه ليرسخ فكرة انتهاء عصر الدولة الوطنية المركزية ويفتح المجال أمام نظرية الدولة الفاشلة (أشباه الدول) والتي يسودها الخلاف السياسي والتمزق الاجتماعي والركود الاقتصادي والتدهور الأمني وتتخللها دعوات الانفصال وتقرير المصير والفيدرالية …الخ .
ويحق لنا أن نتسائل ماهو الجديد الذي يمكن للسيد المالكي أن يقدمه للشعب العراقي في ولايته الثالثة ؟وكيف سيعالج أزمات استفحلت وأستعصى حلها بسبب سياساته الخاطئة ؟ فالرجل لايمتلك القوة العسكرية الكافية لصد تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف وقمع التمرد السني المسلح ضد الدولة العراقية ؟ خصوصا بعد نكسة الموصل التي فر فيها كبار قادة الجيش الموالين له وانسحاب جيشه الورقي (أن صح التعبير) بدون قتال ومشروطية الدعم الامريكي بحكومة توافق وطني وهو مايعني عمليا استبعاده من منصبه، وهو في هذا المجال ليس عنده سوى الاستعانة بالميلشيات وجحافل المتطوعين المبتدئين الذين يزج بهم في الموت مقابل مغريات مادية مع صعوبة تفكيك أواصر التحالف القائم بين العشائر والمجاميع المسلحة السنية من ناحية وتنظيم الدولة الاسلامية المتطرف من ناحية في ظل تربعه على عرش السلطة في بغداد ، وفي ذلك اشارة الى غياب منطق الدولة والقانون في مواجهة الارهاب طوال سنوات حكمه.
أم انه سيتمكن من تحريك عجلة الاقتصاد وانجاز برامج التنمية والاصلاح الأقتصادي و جلب الاستثمارات الخارجية التي فضلت أقليم كردستان مقرا لها بسبب التدهور الأمني والفساد المالي والاداري المنتشر في كل مفاصل الدولة العراقية .
ان مهمة رئيس الوزراء الجديد لن تكون سهلة مطلقا فلابد من اعادة بناء جسور الثقة (عبر تقديم تنازلات حقيقية) التي حطمها المالكي مع السنة والأكراد اذا ما اريد الحفاظ على وحدة البلد وعزل المتطرفين وتكوين رأي عام وطني لمواجهتهم تحت سلطة الدولة الوطنية الجامعة وهو مايعني بأننا بحاجة لقائد استثنائي بكل المقاييس . ومن هنا نقول بأن المشكلة الحقيقية مع السيد المالكي هو فقدان الثقة الحاصل بينه وبين كل أطراف العملية السياسية وهو مايجعله غير مهيأ لحكم البلاد في ظل هذه الخلافات الكبيرة مع ساستها ناهيك عن كونه غير مؤهل أصلا نفسيا وذهنيا لحكم بلد بحجم العراق وهو مايفسر الوضع المزري للبلد في نهاية عهده ، دون أن ننسى بأن استمرار أسلوب المحاصصة في تشكيل الحكومة لعب دورا مهما في افشال حكم الرئيس المالكي وهو عامل لا نية للكتل السياسية بتغييره وهو ما سيمثل مرة أخرى عاملا معرقلا لجهود المالكي (اذا ما أعيد تكليفه) أو أي رئيس وزراء جديد (ما لم يكن قويا) في اعادة ترميم حطام العراق .
أن عناد المالكي واصراره على تحدي الجميع وعلى رأسهم المرجعية الدينية التي طالبت مرارا وتكرارا سرا وجهرا بتنحيه وحليفته الأساسية ايران والتي يبدوا بأنها مالت الى فكرة التخلي عنه تدريجيا لرغبتها في الحفاظ على شيعية الحكم من ناحية وتجنب تكرار السيناريو السوري المزعج في العراق من ناحية أخرى سيدفع بحزب الدعوة وأئتلاف دولة القانون الذي يتزعمه الى الأنتحار السياسي خصوصا ان الأخير (أئتلاف دولة القانون) هو من فاز بالانتخابات البرلمانية الأخيرة وليس المالكي بشخصه وبالتالي توجد امكانية للحفاظ على الأستحقاق الأنتخابي بتكليف هذا الأئتلاف بتشكيل الحكومة مع مراعاة شرط التوافق الوطني وهو مايعني بالضرورة تقديم
مرشح أخر لتشكيل الحكومة (تتقلص حظوظ حزب الدعوة وأئتلاف دولة القانون تدريجيا في تولي رئاسة الوزراء نتيجة هذا العناد وهو ماسيصب في مصلحة الأئتلاف الوطني الشريك في التحالف الوطني).
ان مقاومة السيد المالكي الشديدة للضغوط المحلية والأقليمية و الدولية الهادفة الي تنحيته عن رئاسة الوزراء هو أمرا ليس بغريب عن تاريخنا العراقي ، فالحاكم العراقي لايتنازل عن كرسيه الأ تحت ضغط القوة (داخلية أو خارجية) وهو أمر اذا ما تكرر مع المالكي فأن فصلا مجهولا ينتظر العراق و العراقيين وربما يكون هو الجحيم ذاته الذي توعدنا به دولة رئيس الوزراء.