تحرص الأمم المتحضرة على تنمية روح الانتماء إلى الوطن ورفدها بثقافة الولاء والقيم العليا التي تصهر وتهمش كل ما دونها من انتماء عرقي أو طائفي ومذهبي , يتم ذلك وفق منهجية رائدة وثابتة وبشكل مكثف في كل الميادين ابتداءً من رياض الأطفال والمدارس والمعاهد والجامعات وكل المؤسسات إلى أن يصبح نظاماً راسخاً وسجية من سجايا هذه الشعوب تمنحهم القوة الواعية التي من شأنها تردع وتهزم الفكر المتطرف والثقافة الطائفية على حساب الوطن والانتماء والتضحية له فيكون مثل هؤلاء الأبناء مشاريع عطاء وأمان لأوطانهم ولأنفسهم , بينما نجد على العكس تماماً في الأمم المتخلفة حديثاً رغم حضارتها وتاريخها المشرف المشرق والأسوة لبقية الأمم , ولأسباب كثيرة أبرزها تسلط وتحكم الجهلة وفاقدي الرؤى العلمية والوطنية والأخلاقية والمقتاتين على الفكر الطائفي وأصحاب الفهم الخاطىء للنص الإسلامي فضلاً عن ظاهره وهذا الكلام يشمل كل من تمكن من المشهد العراقي وصار جزءً منه وسبباً واصلاً من ساسة ومراجع دين ومؤسسة دينية عموماً ووعاظ السلاطين وخطباء المنبر ومن تبعهم الذين توحدوا في الغاية والهدف واتفقوا انه لا سبيل للوصول وتحقيق هذه الغايات إلا بانتهاج الخطاب الطائفي والتغرير ونشر ثقافة الولاء للطائفة والمذهب والنبش في التاريخ وتميع الروح الولائية للوطن وتهديم أركانه المعنوية في النفوس وتهميشه وتحقير قيمته في مقابل التداعي المذهبي والطائفي والانتصار للمظلومية , إلى أن أصبحت هذه الثقافة عامة سائدة لعموم المجتمع تُضخ وتُرسخ بمكر وخبث وتهديد مبطن وتسقيط اجتماعي لمن لا يستسيغها ! حتى غزت هذه الثقافة أهم مؤسسة في العراق إلا وهي المؤسسة العسكرية والتي المفروض إنها قانوناً ودستوراً وشرعاً محصنة ومستقلة ووطنية في افقها وواجباتها, وهذا المجموع والتحزب الطائفي باسم التشيع الذي شمل المؤسسة العسكرية والدينية وقنواتها وأتباعها والمنظومة السياسية وما ترتب عنها من تطبيقات وأفعال إجرامية انتقامية خلق حالة من الذعر وعدم التوازن والرعب والقلق عند الطوائف والمذاهب والقوميات الأخرى الأمر الذي تترقبه التيارات التكفيرية عن كثب فاستغلته لصالحها ووظفته لكسب الولاءات والانتماءات لها قهراً واضطراراً عند الأعم الأغلب لا عن قناعة وإيمان للدفاع عن النفس والأهل والدار والوظيفة في حقيقة الأمر , وما يحدث اليوم تجلي واضح لهذه الثقافة المهلكة المدمرة حيث أصبح أبناء العراق ضحية الانتماء للحشد الطائفي من جهة وحسب ايدلوجيته وضحية الانتماء للتيار التكفيري الداعشي وغيره وكل منهم يذبح ويمثل بالجثث ويسلب وينهب ويهدد حياة الآمنين والأبرياء بلا رحمة ولا رأفة تحت شعارات دينية ..تكبير وصلوات ….!! نعم هذه الحقيقة أصبح أبناء العراق وقوداً لنار المتطرفين المتشددين المليشياوين والسياسيين والمستئكلين باسم الدين يدورون بهم رحى مظالمهم مقابل وعود وتطمينات وتربيت على الأكتاف بدخول الجنة والنعيم !! لذا لا يمكن الفصل بين ما يحصل من جرائم
ترتكبه المليشيات بحشدها وزمر التكفير وبين مؤسسيها وقادتها ومروجي ثقافتها وليس من الصحيح توجيه اللوم والنقد للمنفذ فقط ونسيان أو تبيض صورة القائد والموجه والآمر والساكت والراضي عن هذا التنفيذ الإجرامي , يقول المرجع العراقي العربي السيد الصرخي في هذه الجزئية في تصريح له لجريدة العربي الجديد ((إنَّ الحديث عن الحشد وما يصدر عنه، لابد أن يستندَ ويتأصّلَ من كون الحشد جزءاً من المؤسسة العسكرية وتحت سلطة رئيس الحكومة وقائد قواتها المسلحة، وقد تشكّل بأمر وفتوى المرجع السيستاني، ولا يمكن الفصل بين الحشد والسلطة الحاكمة والمرجع وفتواه ….. الواجب الديني والأخلاقي على الجميع تشخيص الأسباب ومعالجتها، وعدم اقتصار النظر وردود الأفعال على النتائج والجرائم حين وقوعها، فلا يصح ولا يجوز التغرير بأبنائنا وإيقاعهم ضحية الانتماء إلى حشدٍ طائفيّ أو تيارٍ تكفيري سنيٍّ وشيعيٍّ ، كما لا يجوز عندما تقع الجرائم أن نَصبَّ جام غضبنا وانتقادنا على أبنائنا المغرر بهم فقط ونترك الذين غرَّروا بِهم، ومن الواضح أن هذا المنهج والسلوك لا يحل المشكلة بل يفاقمها…… ن عنده كلام عن الحشد وأفعاله من ذم أو نَقْدٍ أو اتّهامات بتطهيرٍ عِرْقِيٍّ طائفِيٍّ وتهديمِ مساجد وتهجيرِ عوائل وأعمال قتل وسلب ونهب، وغيرها من دعاوى واتهامات، فَعَلَيْه أن يوجّه كلامَه وسؤالَه ومساءلتَه لشخص السيستاني، مؤسّسِ الحَشْد وزعيمِه الروحي وقائِدِه وصمّامِ أمانِهِ ….))
ولا يخفى على كل لبيب أن المرجعية والحكومة قد قدموا خدمة مجانية للماسونية لم تكن تحلم بها ونفذوا بنجاح المحور الثاني من مشروعها ضد الإسلام وروح الانتماء للأوطان وهو المحور السلوكي للإنسان المسلم من خلال تركيزها ودعمها وتشجيعها وتوفير المناخ المناسب والإمكانية الإعلامية والمالية والسلطوية للمتشددين والمتطرفين والطائفيين من هذا الطرف أو ذاك لتشويه صورة ونظرية وأطروحة وأحقية الإسلام بعد فشل الماسونية من مواجهة الإسلام في المحور الأول , المحور العلمي بطرح التشكيكات والشبهات والإشكالات ضد معجزة الإسلام القرآن والنبوة الخاتمة .