أسوأ ما أحدثه خطاب ترامب فينا وما تسبب لنا فيه ليس ذلك الغضب من هذه السرقة العلنية في وضح النهار لعاصمة بكل ما فيها من أثقال القرون والحكايات والآثار ونماذج الاله والصلاة .. بل انه قدم فرصة لا تعوض لكل المنافقين والكذابين في العالم العربي والاسلامي ليركبوا على ظهر القدس اليوم ليعودوا الى مسرح السياسة بدور البطولة والقبضايات ليتنافخوا شرفا .. كما تنافخوا منذ سبعة عقود ..
لم يصدق بعض الذين سقط لحم وجوههم من كثرة النفاق أن يقدم لهم ترامب هدية ثمينة وأقنعة جديدة يسترون فيها وجوههم التي باتت مجرد عظام بعد فضيحة الربيع العربي .. وتساقطت الدبابير والذباب على جرة العسل المقدسية التي كسرها ترامب أمامهم .. فهجم السافل خالد مشعل على العسل المقدسي المدلوق ولعق من عسل القدس حتى اخضلت لحيته قبل أن يعود الى صالة الألعاب الرياضية ليكمل برنامج الرشاقة الثورية في قطر .. ولم يكد يختفي حتى ظهر سبع البرومبة أردوغان والقى خطابا ناريا من ذلك العيار الذي نعرفه والذي يندرج في مجموعة الخطابات الهوائية الفارغة مثل خطاب دافوس وخطاب مرمرة .. وطبعا رفع اصبعه كثيرا ليتذوق العسل قبل أن يملأ كفيه في كل مرة ويغرف من العسل المندلق على الطريق ويزج بالسائل الحلو في فمه وهو يهدد ترامب والاسرائيليين .. وقد يكون خطابه لابتزاز الأمريكان من أجل تسليم غولن له ليس الا .. وطبعا كان الاتراك والمسلمون يصفقون بلا توقف ويرددون خطابه الذي لم يكن الا (اطلاق الريح) لكثرة ما فيه من خرافات عثمانية وعنتريات صرنا نعرفها .. بل انني وبعد أن سمعت خطاب اردوغان تشاءمت وقلت في نفسي كان الله في عون هذه المنطقة فلا ندري اين سيرسل أردوغان ارهابييه بعد هذا الخطاب .. لأنه بعد خطاب دافوس وتوبيخ بيريز فوجئنا به يغزو حلب وادلب ومصر وليبيا ويريد الصلاة في الأموي .. ولذلك من حقنا اليوم ان نحس بالقلق لأن اردوغان اليوم يرفع عقيرته بخطاب من عيار الخطابات التي تسبق المؤامرات علينا ..وهذا يعني أنه سيضرب في مكان آخر يؤلمنا .. بعيد جدا عن القدس ..
ولم يكن ينقص هذه الحفلة حول جرة العسل المقدسية الا الملك عبدالله الثاني اليهودي (ابن اليهودية) صاحب فتنة (الهلال الشيعي) .. الذي انضم الى جوقة متذوقي العسل المقدسي فغمس أصابعه ولعقها .. ورمى عبارته الشهيرة التي يتوضأ بها كلما وقع في أزمة وهي: (القدس خط أحمر .. وهذا سيعرض مساعي السلام للخطر !!!) .. وكلما رأيته متحمسا لادانة حكومة ترامب تذكرت قصيدة مظفر النواب الشهيرة التي ينادي بها زعماء العرب “بأبناء القحبة” .. وأعرف ان هذا الملك هو أحدهم ولكنه يجب ان يخص بعبارة استهجان تقول: يا ابن اليهودية .. هل تبكي أمك على القدس الآن أم ترقص مع ترامب؟؟
العار أن جميع من هجموا على ترامب ووعدونا أنهم سيلقنونه درسا لم يفكروا في شيء سوى أنهم يحشون في آذاننا الكلام .. وربما يحشون أفواه ومؤخرات الشعب بالحشيش والأفيون.. رغم أن كل واحد منهم لديه ألف طريقة لتلقين ترامب درسا لن تنساه الكرة الارضية وليكون عبرة لمن يعتبر في احتقاره للأمم واستيلائه على أملاك الآخرين والتبرع بها باسمه في جمعيته الخيرية ..
سأقول لكم شيئا وهو أن تستعدوا لسماع طبول العرب وطبول الاسلاميين وطبول العالم الاسلامي خلال الفترة القادمة .. .. وستصابون بالصداع من كثرة التهديدات والتسويفات والتحذير من خطر خطوة ترامب على عملية السلام .. وأستطيع أن أكتب لكم خطابات كل واحد سيثرثر ونوفر عليه عناء تأليف الخطابات.. فالاخوان المسلمون سيستغلون الأزمة لنصرة قطر ضد عمالة السعودية .. والوهابيون سيستغلون الازمة لاثارة السنة على الشيعة الذين جاؤوا بايران لاضعاف القصية الفلسطينية وضياع القدس .. وسيقول لكم المعارضون العرب أن الاستبداد هو سبب ضياع القدس ولو سقط النظام السوري كما سقط طاغية بغداد لما تجرأ ترامب على ابتلاع القدس .. ولكن لا عملية السلام ستتوقف .. ولا المعارضون العرب سيقطعون علاقتهم باسرائيل ولا جبهة النصرة ستنصر القدس وتطلب من مقاتليها أن يوجهوا بنادقهم في الجنوب السوري الى الاسرائيليين في الجولان بدلا من الجيش السوري .. ولن يندم السعديون على قصف اليمنيين ويوجهون طائراتهم نحو تل أبيب .. ولن يستدعى سفير الا من اجل الاستعراض ليعود بعد فترة اجازة وعطلة ترفيهية الى عمله في السفارة .. واذا كان لأحدكم شوارب مثل شوارب عزمي بشارة فنصيحتي الا يخشى على شواربه اذا قال بأنه سيحلق شواربه اذا فعل أي من أبناء القحبة شيئا مما يقول .. واذا أراد أحدكم ان يحلف بأنه سيقطع ذراعه (أو اي شيء يقطع فيه) اذا نفذ اردوغان تهديده مثلا فليطمئن على ذراعه وعلى كل عضو في جسده أنه لن يضطر الى قطعه أو بتره اذا نفذ أردوغان كلامه المتوعد لترامب ..
اذا أردنا أن نقول الحقيقة بشأن القدس فهي أن ما حدث هو نقل القدس الى السفارة الاميركية في علبة هدايا ضخمة حملتها مواكب سيارات شركة الربيع العربي .. وليس نقل السفارة الاميريكة الى القدس .. القدس نقلتها القبائل العربية مجتمعة وقدمتها هدية وعربون محبة الى السفارة الامريكية في القدس التي تصرفت في ملكها كما يتصرف كل مالك يهديها لمن يشاء وساعة يشاء ..
القدس تعرف هذه الحقائق وتعرف الثرثارين وابناء القحبة .. وهي لا تستمع لخطاباتهم .. ولا لغرغرات الاسلاميين الذين صعدوا ال جبل عرفات ليدعوا بالهلاك على الشعب السوري والجيش السوري والجيش الايراني والروسي والصيني .. ولكن لن يجرؤ واحد منهم على رفع الدعاء على ترامب وعلى اسرائيل في موسم الحج .. ولن تظهر هاشتاغات مقاطعة البضائع الامريكية كما فعلوا اثنا أزمة ميانمار وحملة مقاطعة البضائع الصينية .. فالامريكان والاسرائيليون أصحاب ولي الأمر والمجدد الثائر الأممي محمد بن سلمان الذي يطبع مع الصهاينة ..
نحن المقاومون لم نصالح .. ولن نصالح اسرائيل .. ولن نعترف بها .. وبدل الكلام نجهز الصواريخ .. ويكفينا فخرا أن ترامب وتنتياهو يضربان ويقصفان الجيش الذي يخشونه من أن يصل الى القدس يوما .. وهم يهددون الجيش الايراني ولا يهددون الجيش التركي .. وهم يقصفون حزب الله ويستنفرون كل الموساد لمحاصرته وليس لمحاصرة جيش عبدالله الثاني .. وهم لا يقصفون الجيش السعودي .. ولا يفكرون في معاقبة قطر أو اجتياحها أو قصف قصر الأمير الذي تحميه قاعدة العيديد .. ولا يقصفون الجيش الاردني .. ولا جيش السلطة الفلسطينية .. ولا يقتربون من مجموعة خالد مشعل برصاصة بل من مجموعة محمد ضيف ..
ونحن المقاومون لن نعترف بقرار ترامب .. وسنقول له انقعه واشرب ماءه .. وسنقول للمهددين ولأصحاب الطبول من أبناء القحبة: خطاباتكم الكريهة والعفنة والنتنة والحقيرة والمنافقة والكاذبة والمليئة بنكهة الزنا والنذالة والخسة .. انقعوها واشربوا ماءها .. لقد دمرتم الشرق والمهد الذي تنام فيه عيون القدس .. ولذلك فان القدس لا تسمعكم ولا تنتظركم ولا تصدق خطاباتكم ومسرحياتكم الجوفاء .. وهي تعرف لمن تستمع ومن تنتظر وترتدي له أحلى ما لديها .. وتنظر اليه في أعالي الجليل وبحر الجليل .. لأن ما من فاتح ومحرر للقدس الا ومر من الجليل ومن فوق بحر الجليل .. واسألوها ان لم تصدقوا ذلك ..
الكاتب نارام سرجون